responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين المؤلف : عبد العزيز شرف    الجزء : 1  صفحة : 106
أنه يتحدَّث، وأسلوبه الذي اختاره أوفق الأساليب لذلك جميعًا, وأولها من نوعه في اللغة العربية، وليس فيه محاكاة لأسلوبٍ آخر في اللغة الأوربية, ولو كانت كتابته حديثًا محضًا لاسترسلت بلا توكيد ولا تكرار، ولو كانت تقريرًا محضًا أو درسًا محضًا لما انحرفت عن أسلوب الكتابة الذي لا يتحدث به القائل، ولو كانت تقريرًا أو درسًا على الطريقة الشرقية لما ظهرت فيها المقاطع والفواصل الأوربية, ولجرت على سياقٍ قريب من سياق الدروس الأزهرية، ولكن كتابته حديث فيه محاضرة ومراجعة وتنظيم, فلا يوافقها إلا ذلك الأسلوب الذي استقلّ بابتداعه طه حسين ولو غضب المنكرون، وقد يكون غضب المنكرين من أسباب ذلك الابتداع، ولأجل هذا الابتداع يغتفر ما في كتابة الدكتور من إسهاب وتكرار"1 كما يقول العقاد2، ذلك أن طه حسين قد أفاد بأسلوبه هذا عمل من لم يفدهم الرأي ولم تقنعهم المناقشة، فرأوا أن العربية قد تكتب صحيحة فصيحة على أسلوب غير أسلوب الجاحظ وعبد الحميد وبديع الزمان وابن المقفع، ورأوا كاتبًا كبيرًا يكتبها كما يشاء هو لا كما يشاء القدماء, "فتنكتب" وتلذ وتفيد, فاستعدوا لاستحسان الفصاحة في غير قيودها القديمة, وألفوا تعديد من الأساليب وطرائق التعبير إلى غير انتهاء. وذلك وحده فتح قدير"3.
ومن ذلك يتبيَّنُ أن البلاغة الجديدة تقتضي بحث اللغة من خلال المتلاغين, ذلك أن اللغة في نهاية الأمر تكون هي المتلاغين أنفسهم4، وتكون لغة الكاتب هي قوامه الإنساني، والمؤثِّر الأكبر على سلوكه، وهي التي تبرز قسماته النفسية، كما يبرز وجهه قسماته البدنية المميزة, وليس معنى ذلك أن نعزل الكائن الإنساني بقسماته اللغوية عن محيطه الثقافي واللغوي5، فإن هذه الشخصية تنتمي إلى جماعة لغوية بذاتها، وهذه الجماعة اللغوية بالقياس إلى طه حسين هي التي تغذي لغته بعناصر الأصالة والتجديد، ولكن هذه العناصر تتحدَّدُ من خلال الاتصال بالجماهير تحديدًا يجعل بلاغته تقوم على الارتباط بين الكاتب والجمهور، فلم يعد المقال رسالة للخاصة بحكم التطوّر الاجتماعي والفكري، ولكنه أضحى كلامًا يوجَّه إلى جماهير الناس، من خلال وسيلة جماهيرية تجعل الكُتَّاب "يصطنعون النثر في هذا العصر كما اصطنعوه في جميع العصور منذ تقدَّمَت الحضارة لتأدية أغراضهم المختلفة"[6].

1، 2، 3 المرجع نفسه ص90.
4، 5 الدكتور عبد الحميد يونس: "اللغة الفنية", عالم الفكر, الكويت 5 أبريل 1971.
[6] الدكتور طه حسين: من أدبنا المعاصر ص60.
اسم الکتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين المؤلف : عبد العزيز شرف    الجزء : 1  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست