وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضرا، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضينا بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسرا عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنها عادة أو خلقة وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيرا فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.
قال شبيب بن شيبة: «ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس، وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه.
قال رجل من النّسّاك لآخر: «إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء» .
قال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المؤمون يوما في بستان موسى والشمس عن يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ حيث أراد ثم كرّ راجعا في الطريق التي بدأ فيها فقال ليحيى: كانت الشمس عليك لأنك كنت عن يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا إلى حيث كنت. فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا والله ما بدّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك. فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون.
وقال المأمون: «أوّل العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين