لا، قال هذا والله الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
وفي مثله: خرج النعمان «1» بن المنذر في غبّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالسا على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري: أليس ابن سلمى؟ قال: نعم. قال: والله لربما أمررت يدي على فرجها. قال له:
ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتك. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك، والله، ما رأيت شيخا أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولا أعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول: [مجزوء كامل]
تعفو الملوك عن العظي ... م من الذنوب لفضلها
ولقد تعاقب في اليسي ... ر وليس ذاك لجهلها
إلا ليعرف فضلها ... ويخاف شدّة نكلها
وفي مثله: لمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقال له المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عوّدك الله.
وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة