responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عيار الشعر المؤلف : ابن طباطبا العلوي    الجزء : 1  صفحة : 8
تُطَابِقُهُ، والقوافي الَّتِي توافِقُهُ، والوَزْنِ الَّذِي سَلَسَ لَهُ القَوْلُ عَلَيْهِ، فَإِذا اتَّفَقَ لَهُ بيتٌ يُشَاكِلُ المَعْنَى الَّذِي يرومُهُ أثْبَتَهُ وأعْمَلَ فِكْرَهُ فِي شُغْل القوافي بِمَا تَقْتَضِيهِ من الْمعَانِي على غير تَنْسِقٍ للشِّعر وتَرْتيبٍ لفُنونِ القَوْلِ فِيهِ بل يُعَلِّقُ كلَّ بيتٍ يَتَّفِقُ لَهُ نَظْمُهُ على تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ مَا قبلَهُ، فَإِذا كَمُلَتْ لَهُ المَعَاني، وكَثُرت الأبياتُ، وَفّقَ بَينهَا بأبياتٍ تكونُ نظاماً لَهَا، وسِلْكاً جَامعا لما تشَتَّتِ مِنْهَا. ثمَّ يتأمَّلُ مَا قد أدَّاه إِلَيْهِ طَبْعُهُ، ونَتَجَتْهُ فِكْرَتُهُ فَيَسْتَقْصِي انتقادَهُ، ويَرُمُّ مَا وَهَى منهُ، وَيُبْدِلُ بكُلِّ لَفْظَةٍ مُسْتكرهَةٍ لَفْظَةً سَهْلةً نَقِيَّةً.
وإِن اتَّفَقَتْ لَهُ قافيةٌ قد شَغَلَهَا فِي مَعْنىً من الْمعَانِي واتَّفَقَ لَهُ مَعْنًى آخر مُضَادٌ للمعنى الأوَّل، وكانَت تَلك القَافيةٌ أوْقَعَ فِي المَعْنى الثَّاني مِنْهَا فِي المَعْنى الأوَّل نَقَلها إِلَى المَعْنى الْمُخْتَار، الَّذِي هُوَ أحسَنُ، وأبْطَلَ ذَلِك البَيْت، أَو نَقَضَ بعضَهُ وطَلَبَ لمعنَاهُ قافيةً تُشَاكِلُهُ ويَكون كالنَّسَّاج الحاذِق الَّذِي يُفَوِّفُ وَشْيَهُ بأحسَنِ التَّفْويِف ويُسَدِّيه ويُنيُرهُ، وَلَا يُهَلْهِلُ شَيْئا منهُ فَيَشِينهُ.
وكالنَّقَّاش الرَّقيقِ الَّذِي يَضَعُ الأصْبَاغَ فِي أَحْسَنِ تَقَاسِيمِ نَقْشِهِ، ويُشْبِعُ كلّ صِبْغٍ مِنْهَا حَتَّى يتضاعَفَ حُسْنُهُ فِي العَيَانِ، وكناظِمِ الجَوْهر الَّذِي يُؤَلّفُ بَين النَّفيس مِنْهَا والثَّمين الرَّائق، وَلَا يشين عُقودَ بأنْ يُفَاوتَ بَين جواهِرِهَا فِي نَظْمها وتَنْسيقها، وَكَذَلِكَ الشَّاعرُ إِذا أسَّسَ شِعْرَهُ على أَن يَأْتِي فِيهِ الْكَلَام البَدَويِّ الفَصِيح لم يَخْلطْ بِهِ الحَضَرِيَّ المُوَلَّدَ، وَإِذا أتَى بلَفْظَةٍ غريبةٍ أتْبَعَهَا أخَواتِها.

اسم الکتاب : عيار الشعر المؤلف : ابن طباطبا العلوي    الجزء : 1  صفحة : 8
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست