أما الشريف الرضي [2] فهو يقول:
أقمْ واحداً فرداً ودعْ عنك مرّةً ... نفاقَ فلانٍ أوْ خِداعَ فلانِ
الإيمان بالغيب
إن التصديق بكل ما أنزله الله على رسله وأخبر الله به عباده في كتابه العزيز عن الجن والملائكة والجنة والنار ويوم المعاد والحساب وما يحصل فيه يدل على كمال الإيمان واليقين, والإيمان بما أوجب الله عن كل ما غاب عن نظر الإنسان وإدراكه واستأثر الله به مما أرشد إليه القرآن الكريم, فلا يكون الإنسان مهتدياً ومؤمناً ما لم يكن مؤمناً بالغيب, وفي القرآن العظيم على ذلك دليل وشاهد: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [3] .
ولعلماء اللغة والتفسير في وصف الغيب أقوال نشير إلى بعض منها:
قال الراغب: الغيب: مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين، واستعمل في كل غائب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، ويقال للشيء غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى، فإنه لا يغيب عنه شيء، كما لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض [4] .
وقيل: الغيب: ما غاب علمه عن جميع المخلوقات إلا ما علموه عن طريق الرسل، وقال الفيروزابادي: الغيب ما غاب عنك، وقيل: الغيب ما غاب عن الناس مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الملائكة والجنة والنار والحساب، وقال ابن الأعرابي: الغيب: ما كان غائباً عن العيون وإن كان محصلاً في القلوب، وأنشد بيت تميم بن أبي بن مقبل:
وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر (5)
وقال صاحب المنار: الغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق وهو ما غاب عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [6] , وغيب إضافي وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً، وأما ما يعلمه بعض البشر بتمكنهم من أسبابه واستعمالهم
(1) - وردت هذه الأبيات ليوسف الدجوي من كبار علماء الأزهر في القرن الماضي ضمن تقريضه للنهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية لمؤلفه مصطفى الحمامي, ص9 , مطبعة مصطفى الحلبي 1355هـ1936م. [2] - العلامة الشريف الرضي: (359-406هـ/969-1015م) محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي. من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أشعر الطالبيين على كثرة المجيدين فيهم. مولده ووفاته في بغداد، انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده وخلع عليه بالسواد وجدد له التقليد سنة 403 هـ. له ديوان شعر في مجلدين، وكتب منها: الحَسَن من شعر الحسين، وهو مختارات من شعر ابن الحجاج في ثمانية أجزاء، والمجازات النبوية، ومجاز القرآن، ومختار شعر الصابئ، ومجموعة ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابئ من الرسائل, وهو جامع نهج البلاغة, ونسب جمعه البعض إلى أخيه المرتضى. توفي ببغداد ودفن بداره أولاً ثمّ نقل رفاته ليدفن في جوار جده الإمام الحسين رضي الله عنه، بكربلاء. [3] - سورة البقرة الآيات (3-5) . [4] - المفردات ص370.
(5) - الوجيب: تحرك القلب، والأبهر: عرق في الصلب، والقلب متصل به، فإذا انقطع لم تكن معه حياة، واللدم: الضرب، يريد أن للفؤاد صوت يسمعه ولا يراه كما يسمع صوت الحجر الذي يرمي به الصبي ولا يراه، وانظر: اللسان في مادة (بهر) ج4ص81 , وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للعلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي المتوفى سنة 817هـ, ج4ص252, الناشر: المكتبة العلمية بيروت الطبعة الأولى. [6] - سورة النمل الآية (65) .
اسم الکتاب : صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال المؤلف : حسين بن محمد المهدي الجزء : 1 صفحة : 161