responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 228
استشهدوا، وإشادة بفعالهم، ومواقفهم، والبكاء عليهم، وافتدائهم، وتعداد مآثرهم, وهو وإن كان يتفق مع الرثاء الجاهلي فيما يشيع فيه من الحزن والأسى، وما يغلب عليه من استشعار الأسف والجزع على الفقيد، فإنه يختلف عنه فيما يمتلئ به من روح التسليم بالقضاء، والامتثال لإرادة الله وحسن تقبلها، وتمثل ما أعده الله للشهداء من جزاء عظيم، كهذا الاستسلام الذي يبدو في رثاء أبي عامر بن غيلان لولده، الذي خرج غازيًا وأدركه طاعون عمواس؛ إذ يترجم الآية الكريمة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان} [الرحمن: 26] في قوله:
عيني تجود بدمعها الهتان ... سحا وتبكي فارس الفرسان
لو أستطيع جعلت مني عامرا ... تحت الضلوع وكل حي فان1
وكهذا التسليم الذي يشيع في رثاء أبي الحباب -ذريح بن الحارث- لولده الذي استشهد في قتال الفرس، فيشبهه بالشهاب الذي خمد، ويشيد ببلائه في القتال، وانعدام نظيره في الفرسان إلى يوم الدين، لكنه يعود إلى اليقين بأن لكل أجل كتاب فيقول:
أبغي الحباب في الجهاد ولا أرى ... له شبها ما دام لله ساجد
وكان الحباب كالشهاب حياته ... وكل شهاب لا محالة خامد2
ويتجلى هذا التسليم بقضاء الله في صورة رائعة في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي، الذي فقد بنيه الخمسة في طاعون بمصر؛ إذ يبكيهم بكاء مرًّا، مظهرًا أسفه البالغ على فقدهم، ويذكر حمايته لهم ودفاعه عنهم، ولكنه لم يجد شيئًا أمام مناياهم التي حمت، فيقول:
أمن المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس بمعقب من يجزع
أودى بنيّ وأعقبوني حسرة ... بعد الرقاد وعبرة لا تقلع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنية أقبلت لا تُدفَع

1 الإصابة ج3/ 14.
2 الإصابة ج2، ص181.
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 228
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست