اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي الجزء : 1 صفحة : 209
بوقف تراجعهم، فأرادوا الانحراف، فإذا أمامهم خندق عميق، أعماهم الخوف عنه وستره الظلام فهووا فيه بخيولهم، وهلك فيه ثمانون ألفًا، غير ثلاثين ألفًا لاقوا حتفهم في المعركة وفوق الحسك.
وفر الفيرزان فيمن فر يطلب النجاة، فتبعه القعقاع وأدركه عند ثنية همذان، وكانت بعض الدواب تحمل عسلًا في هذه الثنية فسدت على القائد الهارب سبيله، فترجل يريد النجاة في الجبل، فتبعه القعقاع وقتله، ويمم شطر همذان، حيث صالحه أميرها[1].
وبعد فتح الفتوح لا نعود نسمع شيئًا عن هذا البطل في الفتوح، إلا أن ابن الأثير يذكر: أنه سكن الكوفة، ثم كان مع علي بن أبي طالب، فشهد معه الجمل وغيرها من حروبه. وقام بينه وبين طلحة والزبير بسفارة وكلمهما كلامًا كاد يقرب به الناس إلى الصلح[2].
هذا هو بلاء القعقاع بن عمرو فارس الفتوح الإسلامية، فتى من فتيان الله، باع حياته خالصة له، وجاهد في الله حق جهاده، واستمات في نصرة دينه في تفانٍ مخلص، ومهارة فائقة، وذكاء نادر، وفدائية مؤمنة لا يعوقها شاغل خاص، ولا يعترضها قصد إلا إعلاء كلمة الله وحمل رسالته إلى أصقاع العالم، فلا غرو إذا دعوناه بفارس الفتح، ولا غرو إذا ما دعوناه بشاعر الفتح إذ استوى نضجه في أتونه، ونمت شاعريته في ظلاله، فصور أحداثه تصويرًا دقيقًا في شعره، فكان شعره مرآة للأحداث التي صنعها بسيفه. [1] الطبري ج5، ص2626، ياقوت ج4، ص827. [2] أسد الغابة ج4، ص207.
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي الجزء : 1 صفحة : 209