اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 72
قال ابن جنى أي قد انضاها وهزلها فتركها كالمزاد البالية فحذف الصفة قال ابن فورجة لا دليل على حذف الصفة واراد كالمزاد التي نحملها في مسيرنا إذ قد خلت من الماء والزاد لطول السفر والألف واللام في المزاد للعهد والمعنى أن المسير إليه أذهب لحوم مطايانا وافنى ما استبقينا فلم يبق في المطية لحم ولا في المزاد زادٌ
فلم تلق ابن إبراهيم عنسي ... وفيها قوت يومٍ للقراد
ألم يكن بيننا بلد بعيد ... فصير طوله عرض النجاد
البلد المفازة ههنا والفعل للمسير في قوله فصير والنجاد حمالة السيف يقول ادناني المسير إليه حتى لم يبق بيني وبينه إلا مقدار عرض حمائل السيف
وأبعد بعدنا بعد التداني ... وقرب قربنا قرب البعاد
يقول أبعد ما كان بيننا من البعد فجعله كبعد التداني الذي كان بيننا وقرب قربنا فجعله مثل قرب البعاد الذي كان بيننا أي قربني إليه بحسب ما كان بيني وبينه من البعد فجعل البعد بعيدا عني وجعل القرب قريبا مني
فلما جئته أعلى محلي ... وأجلسني على السبع الشداد
أي رفع منزلتي في مجلسه حتى نلت به محلا رفيعا فكأنه أجلسني فوق السماوات السبع ويريد بالشداد المتقنة المحكمة الصنعة
تهلل قبل تسليمي عليه ... وألقي ماله قبل الوساد
ألا تلألأ وجهه واستبشر برؤيتي كما قال زهير، تراه إذا ما جئته متهللا، وهذا كقول الآخر، إذا ما أتاه السائلون توقدت، عليه مصابيح الطلاقة والبشر، ومعنى المصارع الثاني من قول عليّ بن جبلة، أعطيتني يا ولي الحمد مبتدئاً، عطية كافأت مدحي ولم ترني، ما شمت برقك حتى نلت ريقه، كأنما كنت بالجدوى تبادرني، فقد غدوت على شكرين بينهما، تلقيح مدح ونجوى شاعر فطن، شكراً لتعجيل ما قدمت من حسن، عندي وشكرا لما أوليت من حسن،
نلومك يا عليُّ لغير ذنبٍ ... لأنك قد زريت على العباد
أي عبت أفعالهم وصغرت مناقبهم بزيادتك عليهم
وأنك لا تجود على جوادٍ ... هباتك أن يلقب الجواد
أي هباتك لا تجود على أحد باسم الجواد لأنه لا يستحق هذا الإسم مع ما يرى من جودك وزيادتك عليه
كأن سخاءك الإسلام تخشى ... متى ما حلت عاقبة ارتداد
حلت انقلبت يقال حال عن عهده وعما كان عليه إذا تغير يقول أنت تعتقد سخاءك اعتقاد الدين وتخاف لو تحولت عنه عاقبة الردة وهو القتل ودخول النار وهذا كقول الطاءي، مضوا وكأن المكرمات لديهم، لكثرة ما أوصوا بهن شرائع، ثم قلبه فقال، كرم تدين بحلوه وبمره، فكأنه جزء من التوحيد،
كأن الهام في الهيجا عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد
جعل الرؤوس في الحرب كالعيون وجعل سيوفه كالرقاد قال ابن جنى أي سيوفك أبدا تألفها كما تألف العين النوم العين وقال العروضي لا توصف السيوف والرؤوس بالألفة وإنما أراد أنها تغلبها كما يغلب النوم العين وقال غيرهما السيوف تنساب في الهامات انسياب النوم في العين قلت والذي عند في هذا أن سيوفه لا تقع إلا على الهام ولا تحل إلا في الرؤوس كالنوم فإن محله من الجسد العين يقبض العين فيحلها ويدل على صحة هذا قوله
وقد صغت الأسنة من همومٍ ... فما يخطرون إلا في فؤاد
يقول إن أسنتك لا تقع إلا في قلوب اعدائك كأنها الهموم لا محل لها غير القلوب وهذا أولي من أن يقال أن الهموم تألف القلب أو تغلبه أو تدخل فيه ويجوز في يخطرن الكسرة والضمة فمن أراد الهموم قال بالضمة ومن أراد الأسنة والرماح قال بالكسرة والبيت منقول من قول أبي تمام، كأنه كان ترب الحب مذ زمنٍ، فليس يحجبه خلب ولا كبد،
ويوم جلبتها شعث النواصي ... معقدة السبائب للطراد
يريد جلبت الخيل فكنى عنها ولم يجر لها ذكر وجعلها شعث النواصي لمواصلة السير عليها والحرب والغارة والسبائب شعر العرف والذنب وذلك الشعر يعقد عند الحرب كما قال، عقدوا النواصي للطعان فلا ترى، في الخيل إذ يعدون غلا أنزعا
وحام بها الهلاك على أناس ... لهم باللاذقية بغي عادِ
حام دار من قولهم حام الطير حول الماء يحوم حوما أي دار حوله ليشرب منه يقول دار الهلاك بخيلك على قوم لهم ببلدك ظلم عاد أي ظلموا ظلمهم وعصوا معصيتهم
فكان الغرب بحراً من مياهٍ ... وكان الشرق بحراً من جياد
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 72