اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 376
يقول ابن جنى وذلك أن أفعال السيوف أشرف من السيوف فأفعال السيوف تتشبه بأفعاله في مضائه وحدته وينسبن السيوفُ إلى الهند ألا ترى أنه يقال سيف هندي وسيف يمانٍ وفعل السيف أشرف منه كذلك أنت أشرف من الهند قال ابن فورجة قد غلط حتى لا أدري أي أطراف كلامه أقرب إلى المحال ولم يجرِ ذكر للتشبيه وإنما يقول إنها تنسب أفعالها إيه أي تقول هذه الضربة العظيمة من فعله لا من فعلنا وهذا كقوله، إذا ضربت بالسيف في الحرب كفه، البيت والمعنى أنها نسبت الفعل إلى كفه ونسبت السيوف إلى الهند وهذا معنى لطيف يقول أن ضربة السيف العظيمة تنسب نفسها إليه لأنها حصلت بقوته وتنسب السيف أيضا إلى الهند لأنها دلت على جودة عمله فالضربة قد دلت على قوة الضارب ودلت على جودة السيف وليس في هذا أ، هـ أشرف من الهند وكل ما قاله أبو الفتح في تفسير هذا البيت هذر محالٌ انتهى كلامه وقد أحسن في هذا التفسير غير أنه لم يبين كيفية هذا النسب والمعنى أن الضربة بجودتها تدل على أنها حصلت بكف الممدوح فالدلالة هي نسبة نفسها إليه ودلت أيضا على أنها حصلت بسيف هنديّ أي قد اجتمع فيها قوة اليد وجودة النصل
إذا الشرفاء البيض متوا بقتوهِ ... أتى نسبٌ أعلى من الأب والجدِّ
الشرفاء جمع شريف والبيض السادة الكرام ومتوا تقربا يقال فلان يمت إلى فلان بحرمة وقرابة والقتو الخدمة يقال قتا يقتو قتوا ومقتًى وينسب إليه فيقال مقتوى والجماعة مقتويون ويجوز حذف التشديد فيقال مقتوون ومنه قول عمرو، متى كنا لأمك مقتوينا، وهذا كقوله تعالى على بعض الأعجمين يقول إذا تقرب الكرام إليه بخدمته حصل لهم نسبٌ أعلى من نسب الأب والجد أي صاروا بخدمته أعز منهم بأبيهم وأمهم
فتًى فاتتِ العدوى من الناسٍ عينهُ ... فما أرمدت أجفانهُ كثرةُ الرمدِ
أي سبقت عينه العدوى فلم يعدها الرمد وهذا مثلٌ يقول لم يتعد إلى عينه عمى الناس عن دقائق الكرم يقول الناس عميٌ وأنت فيما بينهم بصيرٌ فلا يعديك عماهم يريد أن عيوب الناس لم يتعد إليه وقد بين هذا فقال
وخالقهم خلقا وموضعا ... فقد جل أن يعدي بشيء وأن يعدي
أي هو أجل من أن يعدي بشيء مما في الناس وأن يعدي هو أيضاً لأن الناس لا يغلبون مرتبة من الفضل فلا يقدرون على أخذ أخلاقه فهو إذاً لا يعدي أحد ما فيه من الأخلاق والشريعة ولذلك خالفهم فيها.
يغير ألوان الليالي على العدى ... بمنشورةٍ الراياتِ منصورةِ الجندِ
يغير على أعدائه الوان الليالي وهي مظلمةٌ فيصيرها مشرقةً ببريق سلاح عساكره التي هي منشورة الرايات منصورة الجند
إذا أرتقبوا صبحاً رأوا قبل ضوئهِ ... كتائب لا يردي الصباحُ كما تردى
الرديان ضرب من العدو والمعنى أن عساكره يأتون أعداءهم قبل الصبح ويسرعون إليهم إسراعا لايسرعه الصبح
ومبثوثةً لاتتقي بطليعةٍ ... ولايحتمي منها بغورٍ ولا نجدِ
ورأوا كتائب متفرقةً في كل ناحية لا يمكنهم أن يتقوها بالطلائع ولا أن يحترزوا منها بمنخفضٍ من الأرض أو عالٍ منها
يغصن إذا ما عدن في متفاقدٍ ... من الكثر غانٍ بالعبيدِ عن الحشدِ
روى ابن جنى يغضن أي يدخلن من غاض الماء في الأرض هذا تفسيره والأولى على هذه الرواية أن يفسر يغضن بالنقصان فيقال ينقصن وغاض الماء معناه نقص وإن لم يكن نقصانه بالدخول في الأرض وروى غيره يغصن من الغوص وهو الدخول في الشيء والمتفاقد الذي يفقده بعضه بعضا لكثرتهم والتفافهم كما قال الآخر، بجمعٍ تضل البلق في حجراته، وغانٍ بمعنى مستغنٍ والحشد الجمع يقول سراياه إذا عادت إلى معظم جيشه الذي يفقد فيه الشيء فلا يوجد والمستغني بعبيد الممدوح عن أن يجمع الرجال الغرباء إليه نقصت وقلت كثرتها أي بالقياس إلى المعظم والإضافة إليه يريد أن هذا الجيش الكثير كلهم عبيد الممدوح ليس أوباشا اخلاطا
حثت كل أرضٍ تربةً في غباره ... فهن عليه كالطرائق في البردِ
يقول جيشه لبعد من يسافر ويغزو يمر بأمكنةٍ مختلفٍ ترابها فيثير نقع كل مكان فتختلف الوان غباره حتى تصير تلك الالوان كطرائق البرد منها أسود ومنها أحمر ومنها أبيض ومنها أصفر
فإن يكن المهدي من بان هديهُ ... فهذا وإلا فالهدي ذا فما المهدي
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 376