اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 367
يقول جمع لنا الفضلاء في الزمان ومضوا متتابعين متقدمين عليك في الوجود فلما أتيت بعدهم كان فيك من الفضائل ما كان فيهم مثل الحساب يذكر تفاصيله أولا ثم يجمل على تلك التفاصيل فيكتب في مؤخر الحساب فذلك كذا وكذا فيجمع في الجملة ما ذكر في التفصيل كذلك أنت جمعت فيك من الفضل ما يفرق فيهم وهذا البيت ينظر إلى قول من قال، وفي الناس مما خصصتم به، تفاريق لكن لكم مجتمعْ،
يا ليت باكيةً شجاني دمعها ... نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
يقول الباكية التي بكت على فراقي وأحزنني بكاؤها ليتها رأتك كما رأيت فتعذرني في فراقها وركوب الأهوال والاخطار في السفر إليك
فترى الفضيلة لا ترد فضيلةً ... الشمس تشرق والسحاب كنهورا
روى ابن جنى لا ترد وقال معناه وترى الفضيلة فيك مشرقة غير مشكوك فيها كما ترى الشمس إذا أشرقت والسحاب إذا كان عظيما متكاثفا وتقديره وترى الفضيلة فضيلةً لا ترد فيكون نصب فضيلةً على الحال ثم نصب الشمس بفعلٍ مضمر يدل عليه ما قبله كأنه قال ترى هي برؤيتها فضائلك الشمس في حال إشراقها والمزن في حال تراكمها ومعنى لاترد أي هي مقبولة غير مردودة قال ابن فورجة صحف البيت ثم تمحل له تفسيرا وهو يرويه لا ترد ولا ريب أنه إذا صحف واخطأ المراد احتاج إلى تمحل وجهٍ والذي قاله أبو الطيب لا ترد فضيلة وفاعله الضمير من الفضيلة ونصب فضيلةً ثانية لأنها مفعول بها والمعنى أنها ترى الفضيلة لا ترد ضدها من الفضائل على ما عهدنا في المتضادين ثم فسر ذلك فقال يوجدك الشمس مشرقةً والسحاب كنهوراً أي في حالة واحدة يوجدك هذا الممدوح هذين المتضادين إذا كانت الشمس يسترها السحاب كنهورا فوجهه كالشمس اضآءةً ونائله كالسحاب الكنهور فيضاً وهما لا يتنافيان في وقتٍ واحد ولو كانا في الحقيقة الشمس والسحاب لستر السحابُ الشمس فتنافيا وقد كاد يوضح هذا المعنى محمد بن عليذ بن بسام على رذالة شعره بقوله، الشمس غرته والغيث راحتهُ، فهل سمعتم بغيثٍ جاء من شمس، وأوضح ابن الرومي هذا المعنى حيث يقول، يلقى مغيماً مشمساً في حالةٍ، هطل الإغامةِ نيرَ الإشماس، وقد قال أيضا في هذا المعنى، لكل جليسٍ من يديه ووجهه، مدى الدهر يومٌ غائمُ الجو شامسُ، وتبعه البحتري فقال، وأبيض وضاح إذا ما تغيمت، يداه تجلى وجهه فتقشعا، ولم يوضح أحد هذا المعنى كما أوضحه الرضى الموسوي، أمطروا الجود مضيئاً بشرهم، فرأيناهم شموساً وغماما، وذكر المتنبي هذا المعنى وقال، قمراً ترى وسحابتين بموضعٍ، من وجهه ويمينه وشمالهِ، وقال أيضا، شمنا وما حجب السماء بروقه، وحرى يجود وما مرته الريحُ،
أنا من جميع الناس أطيبُ منزلاً ... وأسر راحلةً وأربحُ متجرا
يقول طاب مكاني ومنزلي بقصده وسرتني راحلتي حين أدتني إليه فاسر مبالغة من السار ويجوز أن يكون مبالغةً من المسرور والمراد بسرورها سرور راكبها وتجارتي أربح من تجارة غيري حين اشتري شعري بأوفر الأثمان
زحل على أن الكواكب قومهُ ... لو كان منك لكان أكرمَ معشرا
جعل الكواكب المحيطة بزحل كالقوم له حين كان يسمى شيخ النجوم يقول زحل لو كان من عشيرتك لكان أكرم معشرا منه الآن والنجوم قومه يعني أن قوم الممدوح ورهطه أشرف من النجوم وأحضر مجلس ابن العميد مجمرة محشوة آسا ونرجساً أخفيت نارها والدخان يخرج من خلال ذلك فقال أبو الطيب
أحب امرىءٍ حبتِ الأنفسُ ... وأطيبُ ما شمه معطسُ
يقول أنت أحب امرىء احبته النفوس وهذا الند اطيب رائحةٍ شمها الأنف وحذف المبتدأ من الجملتين لأن المخاطبة والحال دلتا عليه وحبت غير مستعمل وإن استعمال المحبوب وإنما يستعمل ذلك شاذا
ونشر الندى لكنما ... مجامره الآس والنرجسُ
ولسنا نرى لهباً هاجهُ ... فهل هاجهُ عزك الأقعسُ
يقول لا نرى نارا هيجت ريح هذا الند فهل هاجته نار عزك يقال عز أقعس وعزة قعساء وهي الثابتة وقيل أنه العالي المرتفع الذي لا يوضع ظهره على الأرض كالأقعس الذي لا ينال ظهره الأرض
فإن القيام التي حولها ... لتحسدُ أقدامها الأروسُ
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 367