اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 363
يريد أنه لا يشرب الخمر كأنه مرتو منها لا يعطش إليها ولا يفتر عن البذل فكأنه عطشانُ لا يروى من الخبر عن يداه خبر عنه فإذا لم يرو جوده من البذل لم يرو هو
وتمليك دلار وتعظيم قدره ... دليل بوحدانية الله والعدلِ
يقول ملكه وعظم قدره يشهد بوحدانية الله تعالى ورأفته بخلقه حين ملك عليهم من هو عفيف محسن إلى الخلق
وما دام دلار يهز حسامَهُ ... فلا ناب في الدنيا لليثٍ ولا شبلِ
قال ابن جنى أي لا تعمل انياب الأسد ما يعمل سيفه في كفه فكأنها ليست موجودة وليس المعنى ما ذكره إنما يقول ما دام قائم سيفه في كفه لم يتسلط أسد على فريسة لأنه يصده بسيفه عن أن يعدو على الناس
وما دام دلار يقلب كفهُ ... فلا خلق من دعوى المكارمِ في حلِّ
وما دام هو يحرك يده في البذل لم يحل لأحد دعوى المكارم لأنه لا يجود احد جوده
فتى لا يرجى أن تتم طهارةٌ ... لمن لم يطهر راحتيه من البخل
فلا قطع الرحمنُ أصلا أتى به ... فإني رأيت الطيب الطيب الأصلِ
وقال يمدح أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميدي وورد عليه بأرجان
بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك عن لم يجر دمعك أو جرى
أراد تصبرن بالنون الخفيفة فوقف عليها بالألف نحو، ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا، ومثله كثير يقول يظهر حبك للناس صبرت عليه أو لم تصبر لأنه لا يطيق أحد كتمان الحب ويظهر بكاؤك جرى دمعك أو لم يجر فإن قيل كيف يظهر البكاء إذا لم يجر الدمع قيل عني ما يبدو في صوته من نغمة الحزن والزفير والشهيق والتهيؤ للبكاء ويجوز أن يكون البكاء عطفا على الضمير في صبرت كأنه يقول صبرت وصبر بكاؤك فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى دمعك وحكى ابن فورجة أن أبا الطيب قيل له خالفت في هذا البيت بين سبك المصراعين فوضعت في المصراع الأول ايجابا بعده نفيٌ وفي الثاني نفيا بعده ايجاب فقال لئن كنت خالفت بينهما من حيث اللفظ فقد وفقت بينهما من حيث المعنى وذلك أن من صبر لم يجر دمعه ومن لم يصبر حرى دمعه يعني أنه أراد صبرت فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى
كم غر صبرك وابتسامك صاحباً ... لما رآك وفي الحشا ما لا يرى
يخاطب نفسه يقول ابتسامك الظاهر يغر الناظر إليك لأنه يرى ضحكا ظاهرا ولا يرى ما في الباطن من الاحتراق والوجد
أمر الفؤاد لسانه وجفونه ... فكتمنه وكفى بجسمك مخبرا
القؤاد في الجدس بمنزلة الملك فلهذا جعله آمرا للسان والجفن يول أمر القلب اللسان بالكتمان والجفن بإمساك الدمع فأطعنه في الكتمان غير أن جسمك بالنحول دل على ما في قلب وهذا من قول الآخر، خبري خذيه عن الضني وعن الأسى، ليس اللسان وإن تلفت بمخبرِ، والهاء في كتمنه عائد على ما لا يرى
تعس المهارى غير مهريٍّ غدا ... بمصورٍ لبس الحرير مصورا
دعا بالتعس على ركائب الأظعان غير واحد منها غدا بحبيب كأ، هـ في حسنه صورة وعليه ثوب منقش بالصور
نافستُ فيه صورةً في سترهِ ... لو كنتها لخفيت حتى يظهرا
يقول حسدت لأجل الحبيب المصور صورةً في ستر هودجه لقربها منه ولو كنت تلك الصورى لخفيت حتى يظهر ذلك الإنسان لرأي العين وذلك أنّ كل أحد يحب أن يراه ودونه ستر يقول لو كنت ذلك الستر لأنكشفت حتى يظهر فأراه ويزول الحجاب وذكر بعض الناس بهذا تفسيرا متكلفا فقال المعنى أنه يقول لو كنت ذلك الستر لكنت سترا من عدم فكان يظهر المصور يصف قلته ونحوله
لا تتربِ الأيدي المقيمة فوقهُ ... كسرى مقامَ الحاجبين وقيصرا
لا تترب أي لا تفتقر يقال ترب إذا افتقر وصار إلى التراب فقرا وكسرى لقب ملوك العجم يقوله الكوفيون بكسر الكاف والبصريون بفتح الكاف وكانت صورة هذين على الستر كأنهما أقيما مقام الحاجبين يحجبان هذا المصور ودعا للايدي التي نسجت ذلك الستر وصورت الملكين عليه بأن لا تترب
يقيان في أحد الهوادج مقلةً ... رحلت وكان له فؤادي محجرا
يقول كلاهما يدفعان ويصرفان السوء من الغبار وحر الهواء وحر الشمس عن مقلة في أحد الهوادج يعني هودج الحبيب وكنى عنه بالمقلة لعزته وجعل فؤاده محجرا لتلك المقلة والمعنى أنها كانت ضياء قلبي بمنزلة عين القلب فلما ارتحلت عني عمي قلبي والتبس عليّ أمري وفقدت ذهني كمقلةٍ ذهبت وبقي المحجر
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 363