اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 334
يقول لله تعالى سر فيما أعطاك من العلو والبسطة لا يطلع الناس على ذلك السر ولا يعلمون ما هو وما يخوض الأعداء فيه من الكلام فيك نوع من الهذيان بعد أن أراد الله فيك ما أراد وهذا إلى الهجاء أقرب لأنه نسب علوه على الناس إلى قدرٍ جرى به من غير استحقاق والقدر قد يوافق بعض الناس فيعلو ويرتفع على الأقران وإن كان ساقطا باتفاقٍ من القضاء
أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت ... قيام دليلس أو وضوح بيانِ
يقول هل يطلبون دليلا على سيادتك وعلى أن الله يريد أن يرفع محلك على من يعاديك بعد ما رأوا ثم ذكر ما رأوا فقال
رأت كل من ينوي لك الغدر يبتلي ... بغدر حيوةٍ أو بغدر زمانِ
أي رأت الأعداء كل من ينطوي لك على غدرٍ أو يضمر لك خلافا غدرت به حياته فهلك بآفةٍ تصيبه
برغم شبيبٍ فارق السيف كفُه ... وكانا على العلاتِ يصطحبانِ
يعني هلك ففارق كفه سيفه بهلاكه وكانا مصطحبين على كل حال
كأن رقاب الناس قالت لسيفه ... رفيقك قيسي وأنت يماني
قيس من عدنان واليمن من قحطان وبينهما تنازع واختلاف يقول الرقاب نادت سيفه لكثرة قطعه إياها وكأنها قالت إغراء بينه وبين سيفه ليفترقا شبيب الذي يصاحبك قسي وأنت يمني والنصل الجيد يكون يمنيا ففارقه سيفه لما علم أنه مخالف له في الأصل
فإن يك إنسانا مضى لسبيلهِ ... فإن المنايا غاية الحيوانِ
أي أن يك شبيب قد هلك ومات فإن غاية الحيوان الموت فلا عار عليه من ذلك
وما كان إلا النار في كل موضعٍ ... تثير غبارا في مكان دخانِ
أي كان سبب الشر والفتنة وكان نارا على اعدائه غير أن دخانه الغبار
فنال حيوة يشتهيها عدوهُ ... وموتا يشهي الموت كل جبانِ
يقول نال اطيب حياةٍ عدوه يشتهي مثل تلك الحياة يعني عاش في عز ومنعة ثم مات موتا يشهي ذلك الموت إلى الجبناء الموت لأنه كان موتا في عافيةٍ من غير تقدم ألمٍ ولا مرض ويذكره كيف كان والتشهية لا يتعدى إلى مفعولين إلا بحرف جر وقد حذفه وهو يريده كأنه قال يشهى الموت إلى كل جبان
نفى وقع أطرافه الرماح برمحهِ ... ولم يخش وقع النجم والدبرانِ
يقول نفى عن نفسه الرماح برمحه يعني أنه كان شجاعا يقي نفسه برمحه ولكنه لم يكن مناحس النجوم في حسابه والدبران من النحوس في حكم المنجين وزعمهم والمعنى أنه دفع نحوس الأرض عن نفسه ولم يقدر على دفع نحوس السماء
ولم يدر أن الموت فوق شواتهِ ... معار جناحٍ محسنِ الطيرانِ
ويروي معار جناح محسن الطير أي لم يدر أن الموت قد أعير جناحا فهو يرفرف فوق رأسه ليقع عليه من علو وذلك فيما يقال أن امرأة أدلت على رأسه رحى من سور دمشق
وقد قتل الأقران حتى قتلتهُ ... بأضعف قرنٍ في أذل مكانِ
ذكر في قصته أنه كان يحارب أهل دمشق ويريد الغلبة عليها فسقط على الأرض وثار من سقطته فمشى خطواتٍ فلما سار سقط ميتا ولم يصبه شيء وكثر تعجب الناس من أمره حتى قال قوم أنه كان مصروعا فأصابه الصرع في تلك الساعة فانهزم أصحابه وقتل وزعم قوم أنه شرب وقت ركوبه سويقا مسموما فلما حمى عليه الحديد عمل فيه السم فهو قوله حتى قتلته بأضعف قرن يعني السم في أذل مكانٍ يعني في غير الحرب ومعركة القتال
أتته المنايا في طريق خفيةٍ ... على كل سمعٍ حولهُ وعيانِ
يعني أنه مات فجاءة من غير أن استدل احد على موته بمرئي أو مسموع كما قال يزيد المهلبي، جاءت منيته والعين هاجعةٌ، هلا أتته المنايا والقنا قصد،
ولو سلكت طرق السلاح لردها ... بطول يمينٍ واتساع جنانِ
أي لو أتته منيته من طريق السلاح لدفعها عن نفسه بطول يده وسعة صدره أي ما كان يقدر على قتله لو أراد ذلك اعداؤه
تقصده المقدار بين صحابهِ ... على ثقةٍ من دهره وأمانِ
يقال تقصده وأقصده إذا قتله والمقدار وهو القضاء يقول أهلكه القضاء وهو بين اصحابه واثق بالحيوة آمن من الموت
وهل ينفع الجيش الكثير التفافه ... على غير منصورٍ وغير معانِ
يريد أن الجيش الكثير لا ينفع من لم يكن منصورا من قبل الله تعالى معانا كما لم ينفع شبيبا كثرة أصحابه والالتفاف الاجتماع يقال التف عليه الناس إذا ازدحموا حوله
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 334