اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 235
يقول من سر جميع الناس ثم بكى لحزن اصابه ساء بكاؤه الذين كان يسرهم فكأنه يبكي بعيونهم ويحزن بقلوبهم لما يصيبهم من الأسى والجزع لبكاء هذا الذي سرهم والمعنى أنك إذا بكيت بكى جميع الناس لبكائك وحزنوا لحزنك ويمكن أن يجعل الباء في بعيون للتعدية أي ابكاها والمعنى أنهم يساعدونه على البكاء جزاء لسرورهم به كما قال يزيد المهلبي، اشركتمونا جميعا في سروركم، فلهونا إذ حزنتم غير إنصافِ،
وأني وإن كان الدفين حبيبه ... حبيب إلى قلبي حبيب حبيبي
وقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب
سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها ... منعنا بها من جيئةٍ وذهوبِ
يقول نحن مسبوقون إلى هذه الدنيا فلو عاش من كان قبلنا إلى زماننا لغصت بنا الدنيا وضاقت علينا الأرض حتى لا يمكننا الذهاب والمجيء يذكر أن الخيرة فيما قدر الله تعالى من الموت بين العباد وإن أمر الدنيا إنما يستقيم بموت المتقدم وحيوة المتأخر.
تملكها الآتي تملك سالبٍ ... وفارقها الماضي فراق سليبِ
يريد بالآتي الوارث بعد الموت وبالماضي الموروث يقول الذي تملك الأرث كأنه سالب سلب الموروث ماله والميت كأنه مسلوب سلب ما كان في يده
ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لولا لقاء شعوبِ
شعوب أسم المنية معرفة بغير ألفٍ ولامٍ سميت شعوب لأنها تشعب أي تفرق يقول لولا الموت لم يكن لهذه المعاني فضل وذلك لأن الناس لو أمنوا الموت لما كان للشجاع فضل على الجبان لأنه قد أيقن بالخلود فلا خوف عليه ولا حمد له على شجاعته وكذلك الصابر على مكروه والسخى لأن في الخلود وتنقل الأحوال فيه من عسرٍ إلى يسرٍ ومن شدة إلى رخاء ما يسكن النفوس ويسهل البؤس ويجوز أن يكون المعنى أن الإنسان إنما يشجع ليدفع الموت عن نفسه ويجود أيضا لذلك ويصبر في الحرب لدفع الموت أيضا فلو لم يكن في الدنيا موت لم يكن لهذه الأشياء فضل.
وأوفى حيوة الغابرين لصاحبٍ ... حيوة أمرىْ خانته بعد مشيب
يقول أوفى عمر أن يبقى حتى يشيب المرء ثم يخونه عمره بعد الشيب يعني أن الحيوة وإن طالت فهي إلى انقضاء.
لأبقى يماك في حشاي صبابةً ... إلى كر تركي النجار جليبِ
النجار الأصل والجليب الذي جلب من بلدٍ إلى بلدٍ يقول أبقى بموته في قلبي صبابةً إلى كل من هو من جنسه وأصله.
وما كل وجهٍ أبيضٍ بمباركٍ ... ولا كل جفنٍ ضيق بنجيبِ
يشير إليّ أنه كان جامعا بين اليمن والنجابة والغلام قد ينجب ولا يكون مباركا.
لئن ظهرت فينا عليه كآبةٌ ... لقد ظهرت في حد كل قضيبِ
يقول لئن حزنا عليه لقد حزنت عليه السيوف لحسن استعماله أياها وإذا أثر الحزن في الجماد فكفى به حزنا.
وفي كل قوس كل يوم تناضلِ ... وفي كل طرفٍ كل يوم ركوبِ
يعز عليه أن يخل بعادةٍ ... وتدعو لأمرٍ وهو غير مجيبِ
يقول يعظم ويشتد عليه أن يترك عادته في خدمتك فتدعوه وهو لا يجيبك
وكنت إذا أبصرته لك قائما ... نظرت إلى ذي لبدتين أديبِ
ويقول إذا رأيته قائما عندك نظرت إلى جامع بين الشجاعة والأدب فكان في الشجاعة ليثا وكان ذا أدبٍ في نفسه فكنت أنظر منه إلى ليث أديب.
فإن يكن العلق النفيس فقدته ... فمن كف متلافٍ أغر وهوبِ
يقول إن يكن يماك العلق النفيس الذي يبخل به ويضن قد فقدته فإنما ذهب من كف رجلٍ يتلف الأموال ويهبها ولا يبالي بما ذهب منه ومن روى تكن بالتاء فهو على مخاطبة سيف الدولة وينصب العلق بفعلٍ مضمرٍ مثل الذي ظهر على تقدير فإن تكن فقدت العلق نحو زيدا ضربته.
كأن الردى عادس على كل ماجدٍ ... إذا لم يعوذ مجده بعيوب
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 235