اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 233
أشقى البلاد بهذا السيف البلاد التي اهلها الروم مع أن كلهم معترفون بمجدك لظهوره وكثرة أدلته عندهم وهو أنهم يرون آثار بأسه وكثرة غاراته وحروبه.
شننت بها الغارات حتى تركتها ... وجفن الذي خلف الفرنجة ساهدُ
صببت الغارة على بلاد الروم حتى خافوك كلهم فلم ينم أحد منهم خوفا وإن كان على البعد منك والفرنجة قرية بأقصى الروم.
مخضبة والقوم صرعى كأنها ... وإن لم يكونوا ساجدين مساجدُ
أي هي ملطخة بدمائهم وأهلها مقتولون مصروعون فكأنهم مساجد طليت بالخلوق وكأنهم سجد على الأرض وإن لم يسجدوا حقيقةً.
تنكسهم والسابقات جبالهم ... وتطعن فيهم والرماح المكايد
يقول تنزلهم من خيولهم منكوسين جعل خيلهم كالجبال التي تنكسهم عنها ويجوز أن يكون على القب من هذا بأن جعل الجبال كالجياد لهم يقول تنكسهم عن جبالهم التي تحصنوا بها وهي لهم بمنزلة الخيول السابقة وتطعنهم برماحٍ من كيدك فيقوم كيدك فيهم مقام الرماح
وتضربهم هبراً وقد سكنوا الكدى ... كما سكنت بطن التراب الأساودُ
أي تضربهم بالسيف ضربا يقطع اللحم فيتركه قطعا وقد اكتمنوا في الكدى وهي جمع كدية وهي الصلابة في الأرض يريد أنهم حفروا فيها مطامير ليسكنوها عند الهرب كما تكمن الحيات في التراب.
وتضحى الحصون المشمخرات في الذرى ... وخيلك في أعناقهن قلائدُ
المشمخرات العاليات يقال بناء مسمخر والذرى أعالي الجبال يقول الحصون العالية في الجبال تحيط بها خيلك احاطة القلائد بالأعناق.
عصفن بهم يوم اللقان وسقنهم ... بهنزيط حتى أبيض بالسبي آمدُ
يقول خيلك أهلكتهم يوم أغرن على هذا الموضع وساقتهم أسارى بهذا الموضع الآخر حتى أبيضت أرض آمد بكثرة من حصل بها من الأسارى من الجواري والغلمان.
وألحقن بالصفصاف سابور فانهوى ... وذات الردى أهلاهما والجلامدُ
أنهوى غريب في القياس لان انفعل إنما يبني مما الثلاثي منه متعد وهوى غير متعد يقول ألحقن الحصن الثاني في التخريب بالأول حتى سقط مثل سقوطه وذاق الهلاك أهل الحصنين وحجارتهما التي ببنائهما لأنك احرقتهما بالنار فانعلقت الصخور.
وغلس في الوادي بن مشيع ... مبارك ما تحت اللثامين عابدُ
وسار بالليل غلسا في الوادي شجاع مبارك الوجه إينما توجه ظفر عابد الله يريد سيف الدولة وما تحت اللثامين الوجه واللثام ما يكون على الوجه يقي الحر والبرد والتلثم عادة العرب في اسفارها وعنى باللثام الثاني ما يرسله على الوجه من حلق المغفر.
فتى يشتهي طول البلاد ووقته ... تضيق به أوقاته والمقاصد
يتمنى أن تكون البلاد وسع مما هي والزمان أطول وأوسع لان الأوقات تضيق عما يريد من الأمور ومقاصده من البلاد تضيق عن خيله وهذا كقوله، تجمعت في فؤاده همم، ملء فؤاد الزمان إحداها، فإن أتى حظها بأزمتهٍ، أوسع من ذا الزمان أبداها،
أخو غزواتٍ ما تغب سيوفهُ ... رقابهم إلا وسيحان جامدُ
أي هو مقيم على غزو الروم وغزواته متصلة لا تؤخر سيوفه رقابهم إلا إذا اشتد البرد وجمد واديهم وسيحان نهر هناك معروف والاغباب التأخير يقال أغب الزيارة إذا أخرها.
فلم يبق إلا من حماها من الظبا ... لما شفيتها والثدي النواهدُ
يقول قتل الروم وافناهم فلم يبق إلا النساء اللواتي منعها من السيوف سواد شفاههن ونهود ثديهن يعني الجواري وأخذ السري هذا المعنى فقال، فما أبقيت إلا مخطفاتٍ، حمى الإخطاف منها والنهودُ،
تبكي عليهن البطاريق في الدجى ... وهن لدينا ملقياتٌ كواسدُ
يريد أنه أسر بنات بطاريق الروم فهم يبكون عليهن ليلا وهن ذليلاتٌ عند المسلمين.
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ
يقول هكذا عادة الأيام سرور قوم مسآءة آخرين وما حدث في الدنيا حدث إلا سر به قوم وسيء به آخرون وقد قال أبو تمام، ما ن ترى شيئا لشيء محيياً، حتى تلاقيه لآخر قاتلا،
ومن شرف الإقدام أنك فيهم ... على القتل موموق كأنك شاكد
الشاكد المعطى ابتدأ يقول أنت على قتلك إياهم محبوب فيما بينهم كأنك تعطيهم شيئا وذلك من شرق الشجاعة لأن الشجاع محبوب حتى عند من يقتله.
وإن دماً أجريته بك فاخر ... وأن فؤاداً رعتهُ لك حامدُ
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 233