اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 206
أي لست من القوم الذين يجودهم أفنوا البخل فاستعار لجودهم رماحا وللبخل مهجة لما حصل افناء البخل بجودهم والمعنى مأخوذ من قول أبي تمام، فإن أزمات الدهر حلت بمعشرٍ، أريقت دماء المحلِ فيها فطلت،
بمولودهم صمت اللسان كغيره ... ولكن في أعطافه منطقَ الفضلِ
يقول صبيهم لا ينطق كما لا ينطق سائر الصبيان الصغار ولكن الفضل المتفرس فيه كأنه ناطق لظهوره فيه والأعطاف جمع العطف وهو الجانب أي من نظر في جوانبه تفرس فيه الفضل.
تسليهم علياؤهم عن مصابهم ... ويشغلهم كسب الثناء عن الشغلِ
يقول معاليهم تذهب عنهم حزن المصيبة وذلك أن الجزع من أخلاق اللئيم ومن نبل قدره وعلت همته لم يجزع لما أصابه ويشتغلون بكسب الثناء عن كل شغل لأن ذلك شغلهم الذي يشغلهم عن غيره.
أقل بلاء بالرزايا من القنا ... وأقدم بين الجحفلينِ من النبلِ
البلاء فعال من المبالاة يقول لا يبالون بما يصيبهم من الرزايا كما لا يبالي بها من لا يعرفها وهو قوله من القنا وهي جماد لا يوصف بالمبالاة وهم أشد تقدما عند الحرب من النبل والنبلُ يأبى إلا التقدم وقوله أقدم من قدم يقدم إذا تقدم ويجوز أن يكون معناه أشد أقداما فاستعمل افعل منه على حذف الزوائد كما قال ذو الرمة، بأضيع من عينيك للدمع كلما، توهمت ربعاً أو تذكرت منزلا،
عزاءك سيف الدولة المقتدى به ... فإنك نصلٌ والشدائدُ للنصلِ
يقول الزم عزاءك الذي يقتدي به الناس فيتعلمون منه التعزي والتصبر فإنك قد تعودت الشدائد لأنك نصل والنصل مستعمل مبتذل في الحرب تمر به الشدائد من مقارعة الحديد.
مقيمٌ من الهيجاء في كل منزلٍ ... كأنك من كل الصوارمِ في أهلِ
يقول أنت مقيم من الحرب في منزلك لأنك لا تنفك منها فكأنك إذا كنت بين السيوف كنت في أهلك وهذا من قول الطائي، حن إلى الموت حتى ظن جاهله، بأنه حن مشتاقا إلى الوطن، ومثله قوله أيضا، لتعلم أن الغر من آل مصعبٍ، غداة الوغى آل الوغى وأقاربه،
ولم أرى أعصى منك للحزن عبرةً ... وأثبت عقلا والقلوب بلا عقلِ
يقول لم أر أحدا لا يطيع دمعة الحزن ولا أثبت عقلا منك حين تخلوا القلوب من العقول يعني عند شدة الفزع.
تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرجل
يقول تخونك المنايا فلا تحفظ عهدك في ولدك ثم تنصرك في المعارك إذا كنت بين الرجالة والفرسان.
ويبقى على مر الحوادث صبرهُ ... ويبدو كما يبدو الفرند على الصقلٍ
يقول صبرك باقٍ على مرور الحوادث بك ظاهرة آثاره ظهور الفرند إذا صقل جعل مرور الحوادث به كالصقل للسيف والسيف إذا صقل فزال ما عليه من الطبع ظهر فرنده كذلك هو إذا امتحن بالحوادث والشدائد ظهر صبره والبيت من قول الطائي، بالقتل أظهر صقل سيفٍ أثره، فبدا وهذبت القلوبَ همومها،
ومن كان ذا نفسٍ كنفسك حرةٍ ... ففيه لها مغنٍ له مسلى
يقول من كانت نفسه حرةً كنفسك أغنته عن تعزية غيره واسلته عن مصيبته لأنه يعرف أن الإنسان لا يخلو في دهره من الحوادث ومن عرف هذا وطن نفسه على فقد الأحبة.
وما الموت إلا سارقٌ دق شخصهُ ... يصول بلا كف ويسعى بلا رجلِ
يقول مثل الموت وإبطاله الأرواح كالسارق الذي لا يمكن الاحتراس منه لدقة شخصه كذلك الموت لا يدري كيف يأتي وكيف يبطل الأرواح ويسرقها من الأجساد.
يرد أبو الشبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنملِ
يقول الأسد يقاتل الجيش الكثير عن ولده فيدفعهم عنه ولا يقدر على دفع النمل عن ولده مع ضعف النمل فيسلمه لها وهذا مثل يقل لو غير الموت قصد ابنك لدفعته وإن كان عظيما ولكن لا مدفع للموت.
بنفسي وليدٌ عاد من بعد حملهِ ... إلى بطنِ أمٍ لا تطرق بالحملِ
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 206