اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 20
بقيةُ قومٍ آذنوا ببوارِ ... وأنضاء أسفارٍ كشربِ عُقارِ
الانضاء جمع نضو وهو المهزول الذاهب اللحم من الناس والإبل والشرب جمع شارب والعقار الخمر يقول نحن بقية قومٍ اعلم بعضهم بعضا بالهلاك أي علموا أنهم هالكون ونحن مهازيل اسفار لا حراك بنا من الجهد والتعب كأننا سكارى لا يقدرون على الحركة، يقول تحكمت فينا الرياح بهذا المكان حتى سقت علينا من الحصى والتراب والغبار ما سترتنا به.
نزلنا على حكمِ الرياحِ بمسجدٍ ... علينا لها ثوبا حصاً وغبارِ
خليلي ما هذا مناخنا لمثلنا ... شدا عليها وأرحلا بنهار
يقول ليس هذا المكان منزلا لنا فشدا رحالكما على الإبل وارحلا قبل هجوم الليل وفي قوله فشدا عليها نوعان من الضرورة حذف المفعول والكناية عن غير مذكور
ولا تنكرا عصفَ الرياحِ فإنها ... قرى كلِ ضيفٍ باتَ عندَ سوارِ
يقول لا تنكرا شدة هبوب الرياح فإنها طعامُ من بات ضيفا عند سوار وهو اسم رجل هجا بهذا البيت لأن هبوب الرياح اشتد عليهم لما نزلوا بالمسجد الذي عند داره ولم يقرهم بطعام ويروى قومٍ عند سواري قالوا اراد سواري المسجد يعني الأساطين وهذا لا حقيقة له لان هبوب الرياح لا يختص بالأساطين وقال أيضا في صباه يمدح أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أوس بن معن بن الرِضّا الأزدي
أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ ... وجوى يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ
يقول لي سهادٌ بعد سهادس وعلى أثر سهاد ومثلي ممن كان عاشقا يسهد لامتناع النوم عليه وحزن يزيد كلَّ يومٍ عليه ودمع يسيل ويقال رقرقت الماء فترقرق مثل أسلته فسال
جهدُ الصبابة أن تكون كما أرى ... عينٌ مسهدةٌ وقلبٌ يخفقُ
الجهد المشقة والجهد الطاقة والصبابة رقة الشوق يقول غاية الشوق أن تكون كما أرى ثمّ فسره بباقي البيت
ما لاحَ بَرقٌ أو ترنمَ طائرٌ ... إلا انثنيتُ ولي فؤادٌ شيقُ
الشيق يجوز أن يكون بمعنى فاعل من شاق يشوق كالجيد والهين ومعناه أن قلبي يشوقني إلى أحبتي ووزنه فيعل وهو كثيرٌ مثل الصيب والسيد وبابه ويجوز أن يكون على وزن فعيل بمعنى مفعول ولمعان البرق يهيج العاشق ويحرك شوقه إلى أحبته لأنه يتذكر به ارتحالهم للنجعة وفراقهم ولأن البرق ربما لمع من الجانب الذي هم به وكذلك ترنم الطائر وذكرهما بهذا المعنى كثيرٌ في اشعارهم
جربتُ من نارِ الهوى ما تنطفي ... نارُ الغضا وتكلُّ عما تحرقُ
يقول جربت من نار الهوى نارا تكل نار الغضا عما تحرقه تلك النار وتنطفىء عنه ولا تحرقه يريد أن نار الهوى أشدّ إحراقاً من نار الغضا وهو شجرٌ معروفٌ يستوقد به فتكون ناره أبقى ومن روى يحرق بالياء فاللفظ ما
وعذلتُ أهلَ العشقِ حتّى ذُقْتُهُ ... فعجبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ
يذهب هوم في هذا البيت إلى أنه من المقلوب على تقدير كيف لا يموت من يعشق يعني أن العشق يوجب الموت لشدته وإنما يتعجب ممن يعشق ثم لا يموت وإنما يحمل على القلب ما لا يظهر المعنى دونه وهذا ظاهر المعنى من غير قلبٍ وهو أنه يعظم أمر العشق ويجعله غاية في الشدة يقول كيف يكون موت من غير عشق أي من لم يعشق يجب أن لا يموت لأنه لم يقاس ما يوجب الموت وإنما يوجبه العشق وقال بعض من فسر هذا البيت لما كان المتقرر في النفوس أن الموت في اعلا مراتب الشدة قال لما ذقت العشق وعرفت شدته عجبت كيف يكون هذا الأمر المتفق على شدته غير العشق
وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني ... عيرتهم فلقيتُ فيه ما لقوا
يقول لما ذقت مرارة العشق وما فيه من ضروب البلاء عذرت العشاق في وقوعهم في العشق وفي جزعهم وعرفت أني أذنبت بتعييرهم بالعشق فابتليت بما ابتلوا به ولقيت في العشق من الشدائد ما لقوا