اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 151
قال ابن جنى أي أنا احب الحياة في الدنيا ولما رأى من سوء افعال أهلها ما قد ذكرت زهدت فيها قال ابن فورجة ليس في لفظ البيت ما يدل على أنه يحب الحياة في الدنيا بل فيه تصريح أنه قد ملها فدعواه أنه يحبها محال وإنما ملالته لها لما يشاهد من فيح صنيعها من ابدال النعمى بالبؤسى واسترجاع ما تهب والإساءة إلى أهل الفضل وقعودها بهم عما يستحقونه وقد اجاد أبو العلاء المعري حيث يقول، وقد غرضت من الدنيا فهل زمني، معطى حياتي لغرٍّ بعد ما غرضا، انتهى كلامه يقول أبو الطيب قد مللتها وإن لم استوف حظي منها وبي إعراض عن نسائها وإن واصلتني.
خليلاي دون الناس حزن وعبرةٌ ... على فقد من أحببت ما لهما فقد
جعل الحزن والعبرة خليلين له لأنهما يلازمانه ولا يفارقانه وكأنهما خليلان له ألا تراه يقول ما لهما فقد أي فقدت من كنت احبه وصاحبني لفقده حزن وعبرة لست افقدهما.
تلج دموعي بالجفون كأنما ... جفوني لعيني كلِّ باكيةٍ خدُّ
أي لا تخلوا جفوني من الدموع فكان جفوني خد كل باكية في الدنيا يريد أن ما يسيل من جفونه مثل الذي يسيل على خد كل باكية ويجوز أن يريد أن جفونه لا تنفك في حال من الدمع كما لا تنفك حال من بكاء باكية ما في العالم وبهذا قال ابن جنى لأنه قال أي فلست اخلو من بكاء ودموعٍ كما لا تخلو الدنيا من باكية تجري دموعها.
وأني لتفهيني من الماء بقية ... وأصبر عنه ما تصبر الربد
النغبة الجرعة من الماء وجمعها نغب والربد النعام يقال ظليم أربد ونعامة ربداء وذلك لما في لونها من السواد يصف نفسه بقلة شرب الماء وذلك دليلٌ على أنه زهيد الأكل صابر على العطش كالنعام فإنها لا ترد الماء.
وأمضى كما يمضي السنان لطيتي ... وأطوي كما تطوى المجلحة العقد
الطية المكان الذي تطوى إليه المراحل ومنه قول الشنفري، وشدت لطياتٍ مطايا وأرحل، وأطوى اجوع معناه اطوى بطني عن الزاد والمجلحة الذئاب المصممة والتجليح التصميم والعقد جمع الأعقد وهو الذي في ذنبه عقدة وقيل الذي انعقد لحمه ضمرا وهزالا والذئاب اصبر السباع على الجوع والعرب تمدح بقلة الطعم والصبر على الجوع كما قال الأعشى، تكفيه حزة فلذٍ إن ألم بها،
وأكبر نفسي عن جزاء بغيبةٍ ... وكل اغتيابٍ جهد من ما له جهد
الجهد المشقة والجهد الطاقة يقول لا اجازي عدوي بالاغتياب لان ذلك طاقة من لاطاقة له بمواجهة عدوه ومحاربته وهذا كقول الآخر، ونشتم بالأفعال لا بالتكلم،
وأرحم أقواما من العيِّ والغبي ... وأعذر في بغضي لأنهم ضدُّ
الغبي مثل الغباوة يقول إذا نظرت إلى أقوام من أهل العي والغباوة رحمتهم وإذا ابغضوني عذرتهم لأنهم اضدادي والضد يبغض ضده
ويمنعني ممن سوى ابن محمدٍ ... أياد له عندي يضيق بها عندُ
عند اسم مبهم لا يستعمل إلا ظرفا فجعله اسما خاصا للمكان كأنه قال يضيق بها المكان هذا كقول الطاءي، وما زلت منشوراً عليَّ نواله، وعندي حتى قد بقيت بلا عند،
توالي بلا وعدٍ لكن قبلها ... شمائله من غير وعدٍ بها وعدُ
أي إذا رأيت شمائله وهي أخلاقه علمت أنه سيعطيك فقامت لك مقام الوعد
سرى السيف مما تطبع الهند صاحبي ... إلى السيف مما يطبع الله لا الهندُ
يقول سرى صاحبي الذي هو السيف يريد سريت ومعي السيف إلى إنسانٍ كأنه سيف لكن الله طابعه.
فلما رآني مقبلاً هز نفسهُ ... إلى حسام كل صفحٍ له حدُّ
هز نفسه حرك نفسه للقيام إلى حسام كل وجهٍ من وجهيه حد ينفذ في اعدائه وجعله هو الحسام فرفعه وهو امدح من أن ينصبه على الحال فيقول حساما لأن الحال غير لازمةٍ ونفس الشيء أشد مصاحبة له من حاله
فلم أر قبلي من مشي البحر نحوه ... ولا رجلاً قامت تعانقه الأسد
جعله في الحقيقة بحراً وأسداً يقول لم أر قبلي رجلا مشى نحوه البحر أو عانقته الأسود وتحقيق معنى الكلام من مشى نحوه رجل كالبحر أي في الجود وعانقه رجل كالأسد في الشجاعة
كان القسيَّ العاصيات تطيعه ... هوى أو بها في غير أنمله زهدُ
عنى بالعاصيات القسي الشديدة الممتنعة من النزع يقول كأنها تطيعه حبا له أو زهدا في غير أنامله.
يكاد يصيب الشيء من قبل رميه ... ويمكنه في سهمه المرسل الردُّ
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 151