اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 132
قال ابن جنى أي منافع الأحداث أن تجوع وأن تظمأ وهذا ضار لغيرها ومعنى جوعها أو ظمئها أن تهلك الناس فتخلى عنهم الدنيا قال ابن فورجة الضمير في منافعها للجدة المرثية يعني أنها قتين قليلة الطعم تؤثر بالطعام على نفسها فتجوع وتظمأ لتنفع غيرها وتم الكلام ثم جعل المصراع الثاني تفسيرا للمصراع الأول فقال غذاؤها وريها في أ، تجوع وتظمأ لأن سرورها بإطعام غيرها يقوم مقام تغذيها وترويها أما قول ابن جنى فليس بالوجه فليس بالوجه ولا وجه لجوع الاحداث وظمئها على ما ذكر فأما قول ابن فورجة فيصبح على تقدير منافعها ما ضرها في نفع غيرها وهي الجوع والعطش بائثار غيرها بالطعام والشراب وذلك ضر ينفع غيرها وهذا صحيح من هذا الوجه غير أن الأولى ردّ الكناية إلى الأحداث والليالي لا إلى الجدّة والمعنى منافع الليالي في مضرة غيرها من الناس ثم ذكر ذلك وفسر فقال غذاؤها وريها في أن تجوع أيها المخاطب وتظمأ لولوعها بالإساءة بنا كأن ريها وشعبها في جوعنا وظمئنا ويروى نجوع ونظمأ بالنون على ما ذكرنا من التفسير ويجوز أن يكون تجوع وتظمأ بالتاء خبرا عن الليالي والمعنى غذاؤها وريها جوعها وعطشها أي لا ريَّ لها ولا شبع لأنها لا تروى ولا تشبع من أهلاك الأنفس وازهاق الأرواح وتقدير ما ضر في نفع غيرها ما أثر في نفع غيرها بالضرر كأنه قال منافعها في ضر غيرها
أتاها كتابي بعد يأسٍ وترحةٍ ... فماتت سروراً بي فمت بها هما
حرام على قلبي السرور فإنني ... أعد الذي ماتت به بعدها سما
أي كثر حزني بفقدها حتى كأني ميت حزنا
تعجب من خطي ولفظي كأنها ... ترى بحروف السطر أغربةً عصما
إنما تعجبت لأنه سافر عنها حتى يئست منه فلما وصل إليها كتابه تعجبت من ذلك حتى كأنها رأت غرابا اعصم وهو قليل الوجود في الغربان أو تعجبت منه لفصاحته وحسنه الأعصم الغراب الذي في جناحه بياض
وتلثمه حتى أصار مداده ... محاجر عينيها وأنيابها سحما
يقول تقبل الكتاب وتضعه على عينيها حتى صارت أنيابها وما حول عينيها سودا بمداده
رقا دمعها البحارى وجفت جفونها ... وفارق حبي قلبها بعد ما أدمى
يعني لما ماتت انقطع ما كان يجري من دمعها على فراقي ويبست جفونها عن الدمع وسليت عني بعد ما ادمي حنّي قلبها في حياتها.
ولم يسلها إلا المنايا وإنما ... أشد من السقم الذي أذهب السقما
لم يسلها عني إلا الموت والموت الذي أذهب سقمها بالحزن لأجلي كان اشد من السقم كما قال الطاءي، أقول وقد قالوا استراحت بموتها، من الكرب روح الموت شر من الكرب،
طلبت لها حظا ففاتت وفاتني ... وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما
يقول إنما سافرت لأطلب لها حظا من الدنيا ففاتني بموتها ولم أحد ذلك الحظ الذي طلبته وكانت قد رضيت بي حظا من الدنيا لو كنت أرضى أنا بها.
فأصبحت استسقي الغمام لقبرها ... وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصما
يقول بعد أن كنت استسقي الحرب والرماح دماء الأعداء صرت استسقي السحاب لقبرها فأقول سقى الله قبرها على عادة العرب في الدعاء للقبور بسقيا السماء يعني تركت الحرب وجدا بها اشتغلت بالدعاء لها.
وكنت قبيل الموت استعظم النوى ... فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى
أي كنت قبل موتها استعظم فراقها وقد صارت حادثة الفراق صغيرة بموتها وكانت عظيمة يعني أن موتها أعظم من فراقها.
هبيني أخذت الثار فيك من العدى ... فكيف بأخذ الثار فيك من الحمى
يقول اجعليني بمنزلة من أخذ ثارك من الأعداء لو قتلوك فكيف آخذ ثارك من العلة التي قتلتك ولا سبيل إلى ذلك
وما انسدت الدنيا عليّ لضيقها ... ولكن ظرفا لا أراك به أعمى
يقول لم تسند عليّ الدنيا لأنها ضيقة بل هي واسعة ولكنني كالأعمى لفقدك والأعمى تنسد عليه المسالك
فوا أسفاً ألا أكب مقبلا ... لرأسك والصدر الذي مليأَ حزما
اللذ لغة في الذي وتثنيته اللذا ومنه قول الأخطل، أبني كليبٍ إن عمى اللذا، والمتنبي قال بهذه اللغة ويجوز أن يكون أراد اللذين فحذف النون لطول الأسم بالصلة ويقال أكب على الشيء مثل انكب يقول ما أشد حظني أن لا أنكب عليك مقبلا رأسك وصدرك اللذين ملئا حزامة وعقلا
اسم الکتاب : شرح ديوان المتنبي المؤلف : الواحدي الجزء : 1 صفحة : 132