اسم الکتاب : شرح ديوان الحماسة المؤلف : المرزوقي الجزء : 1 صفحة : 912
تناهيت عني حين لا لي حيلة ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح
يقول: توفرت علي ولطفت لي المقال والفعال، على تطلق من وجهك، وهشاشة ظاهرة منك، حتى أوقعتني في حبالتك، وخببت قلبي بكلام يقرب البعيد، ويسهل العسير، ويؤنس النافر، ويطمع اليائس، فلما استكمل مرادك في ضممت أطرافك إليك، وقبضت ما انبسط من أملي فيك. والعصم: جمع أعصم وعصماء، وهي الوعول الجبلية التي في قوائمها بياض. وجواب إذا تناهيت عني. والمعنى: بعد ما كسبتني خبالاً، وجلبت على عقلي وقلبي فساداً، كففت عني، وتباعدت مني وقت أعيتني الحيل في الانفكاك، وتأبى تمازج الهوى وتلاصقه من الإنسلاخ، وتركت بين جوانحي ما تركت من وجد متصل، وحزن دائم.
فإن قيل: إن كثير علم في النسيب، فلم لم يرض بإظهار التوجع من المعاملة، والتألي من التهاجر والقطيعة، حتى اعتد على صاحبته ذنباً. ونسب إليها خيانة ووزراً؛ لأن الذي وصف من افتتانها في افتتان الرجال ليس من شأن العفائف؟ إن كثيراً لم يصف صاحبته إلا بصفة العفائف. ألم تسمع قول الآخر:
برزن عفافاً واحتجبن تستراً ... وشب بقول الحق منهن باطل
فذو الحلم مرتاب وذو الجهل طامع ... وهن عن الفحشاء حيد نواكل
كواس عوار، صامتات نواطق ... بعف الكلام، باذلات بواخل
فتأمل ما قاله فإنه غاية في استقامة الطريقة، وإن هلكت نفوس، وخبلت عقول. وحدثت عن أبي حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، عن رواية كثير قال: كنت مع جرير وهو يريد الشام، فطرب فقال: أنشدني لأخي بن مليح، يعني كثيراً، فأنشدته حتى انتهيت إلى قوله: وأدنيتني حتى إذا ما فتنتني، الأبيات، قال جرير: لولا أنه لا يحسن بشيخ مثل النخير لنخرت حتى يسمع هشام على سريره.
وقال آخر:
تعرضن مرمى الصيد ثم رميننا ... من النبل لا بالطائشات الخواطف
اسم الکتاب : شرح ديوان الحماسة المؤلف : المرزوقي الجزء : 1 صفحة : 912