ضارج والعُذَيب: موضعان. بعد ما: أصله بَعُدَ ما فخففه فقال بَعْدَ، وما زائدة وتقديره: بعُد متأملي.
يقول: قعدت وأصحابي للنظر إلى السحاب بين هذين الموضعين، وكنت معهم فبعد متأملي وهو المنظور إليه، أي بعد السحاب الذي كنت أنظر إليه وأرقب مطره وأشيم[1] برقه، يريد أنه نظر إلى هذا السحاب من مكان بعيد فتعجب من بعد نظره، وقال بعضهم: إن ما في البيت بمعنى الذي، وتقديره، بعد ما هو متأملي، فحذف المبتدا الذي هو هو، وتقديره على هذا القول: بعد السحاب الذي هو متأملي.
73-
على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبِهِ ... وأيْسَرُهُ على السّتارِ فَيَذْبُلِ
ويروى: علا قطنًا، من علو يعلو علوًّا، أي علا هذا السحاب. القَطَن: جبل، وكذلك الستار ويذبل جبلان، وبينهما وبين قَطَن مسافة بعيدة. الصوب: المطر، وأصله مصدر صاب يصوب صوبًا أي نزل من علو إلى سفل. الشيم: النظر إلى البرق مع ترقب المطر.
يقول: أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل، يصف عظم السحاب، وغزارته وعموم جوده، وقوله: بالشيم، أراد: إني ما أحكم به حدسًا وتقديرًا لأنه لا يرى ستارًا ويذبل وقطن معًا.
74-
فأضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ ... يكُبّ على الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبلِ
الكب: إلقاء الشيء على وجهه، والفعل كبّ يكبّ. وأما الإكباب فهو خرور الشيء على وجهه، وهذا من النوادر؛ لأن أصله متعد إلى المفعول به ثم لَمَّا نقل بالهمزة إلى باب الأفعال قصر عن الوصول إلى المفعول به، وهذا عكس القياس المطرد؛ لأن ما لم يتعد إلى المفعول في الأصل يتعدى إليه عند النقل بالهمزة من باب الأفعال نحو: قعد وأقعدته وقام وأقمته وجلس وأجلسته، ونظير كبّ وأكب عرضَ وأعرضَ؛ لأن عرضَ متعدٍ إلى المفعول به؛ لأن معناه أظهر، وأعرض لازم، لأن معناه ظهر ولاح؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم: [الوافر] : [1] أشيم البرق: انظر أين يقصد وأين يمطر.