ألا يا لهف هند إثر قوم ... هم كانوا الشفاء، فلم يصابوا1
وقاهم جَدُّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب2
وأفلتهنَّ علباء جريضًا ... ولو أدركنه صَفِرَ الوطاب3
ثم سار وراء بني أسد سيرًا حثيثًا إلى أن أدركهم، وقد تقطعت خيله، وقطع أعناقهم العطش، وبنو أسد جامُّون[4] على الماء. فنهد إليهم[5]، فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم. وهربت بنو أسد. فلمَّا أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوه وقالوا له: قد أصبت ثأرك.
قال: والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل، ولا من غيرهم من بني أسد أحدًا. قالوا: بلى ولكنك رجل مشئوم. وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه.
1 هند: هي ابنة امرئ القيس.
2 يعني ببني أبيهم: بني كنانة، لأنَّ أسدًا وكنانة ابني خزيمة أخوان. وقوله: بالأشقين ما كان العقاب: أدخل ما صلة وحشوا ويجوز أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر على تقدير: وبالأشقين كون العقاب.
3 قوله: أفلتهن يعني الخيل، أي: لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن. وقيل: صفر الوطاب أي: أنه كان يقتل فيكون جسمه صفرا من دمه كما يكون الوطاب صَفِرًا من اللبن. [4] جامون: مستريحون. [5] نهد إليهم: أسرع إليهم. استنصاره اليمن:
فلمَّا امتنعت بكر بن وائل وتغلب من اتِّبَاع بني أسد، خرج من فوره ذلك إلى اليمن فاستنصر أزد شنوءة، فأبوا أن ينصروه وقالوا: إخواننا وجيراننا فنزل بقيل يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري وكانت بينهما قرابة، فاستنصره واستمدَّه على بني أسد، فأمدَّه بخمسمائة رجل من حمير. ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له: قرمل بن الحميم، وكانت أمه سوداء، فردد امرأ القيس وطول عليه حتى هم بالانصراف وقال:
وإذ نحن ندعو مرثد الخير ربنا ... وإذ نحن لا نُدعَى عبيدًا لِقَرْملِ