ألا يا عين! بَكّي لي شنينا ... وبَكّي لي الملوك الذاهبينا
ومضى الحارث وأقام بأرض كلب، وكلبٌ يزعمون أنهم قتلوه، وعلماء كندة يزعمون أنه خرج إلى الصيد فألظَّ بتيس من الظباء، فأعجزه، فآلى بأليَّة[1] ألا يأكل أولًا إلا من كبده فطلبته الخيل ثلاثًا، فأتى به بعد الثالثة وقد هلك جوعًا، فشوى له الكبد وتناول منه فلذة[2] فأكلها حارَّة فمات. [1] ألظ به: لازمه. آلى: أقسم. الآلية: القسم. [2] فلذة: قطعة.
مقتل والد امرئ القيس:
أما حجر ابنه فكان على بني أسد، وكانت له عليهم إتاوة[3]، في كل سنة، موقَّتة، فعمر كذلك دهرًا ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم، فمنعوه ذلك، وحجر، يومئذٍ، بتهامة، وضربوا رسله وضرحوهم[4] ضرحًا شديدًا قبيحًا. فبلغ ذلك حجرًا فسار إليهم بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة، فأتاهم وأخذ سرواتهم[5]، فجعل يقتلهم بالعصا، فسمّوا عبيد العصا. وأباح الأموال وصيَّرهم إلى تهامة وحبس أشرافهم ثم رقَّ لهم، فاستكانوا له حتى إذا وجدوا منه غفلة تمالئوا عليه فقتلوه.
وخلَّفَ حجر أولادًا منهم نافع، وكان أكبر ولده، وامرؤ القيس، وهو أصغرهم. [1] ألظ به: لازمه. آلى: أقسم. الآلية: القسم. [2] فلذة: قطعة. [3] إتاوة: خراج. [4] ضرحوهم: دفنوهم. [5] سرواتهم: ساداتهم وأشرافهم. حياته:
كان امرؤ القيس ذكيًّا متوقّد الفهم. فلما ترعرع أخذ يقول الشعر، فبرَّزَ فيه إلى أن تقدَّم على سائر شعراء وقته بالإجماع. وكان مع صغر سنه يحبّ اللهو، ويستتبع صعاليك العرب ويتنقَّل في أحيائها فيغير بهم، وكان يكثر من وصف الخيل ويبكي على الدمن ويذكر الرسوم والأطلال وغير ذلك.