اسم الکتاب : سر الفصاحة المؤلف : ابن سنان الخفاجي الجزء : 1 صفحة : 59
وسمي الكلام الفصيح فصيحاً كما أنهم سموه بياناً - لأعرابه عما عبر به عنه وإظهاره له إظهاراً. جلياً. روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أنا أفصح العرب" [1] بيد أني من قريش.
والفرق بين الفصاحة والبلاغة أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع المعاني. لا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها إنها فصيحة. وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغاً كالذي يقع فيه الإسهاب في غير موضعه.
وقد حد الناس البلاغة بحدود إذا حققت كانت كالرسوم والعلائم وليست بالحدود الصحيحة فمن ذلك قول بعضهم لمحة دالة وهذا وصف من صفاتها فأما أن يكون حاصرا لها وحداً يحيط بها فليس ذلك بممكن لدخول الإشارة من غير كلام يتلفظ به تحت هذا الحد. وكذا قال آخر والبلاغة معرفة الفصل من الوصل لأن الإنسان قد يكون عارفاً بالفصل والوصل عالما بتمييز مختار الكلام من مطرحة وليس بينه وبين البلاغة سبب ولا نسب ولا يمكنه أن يؤلف ما يختاره من تأليف غيره والحدود لا يحسن فيها التأول وإقامة المعاذير وغرابة ألفاظ تدل على المقصود لأنها مبنية على الكشف الواضح موضوعة للبيان الظاهر والغرض بها السلامة من الغامض فكيف يوقع في غامض بمثله. وكذلك قول الآخر: البلاغة أن تصيب فلا تخطيء وتسرع فلا تبطئ لأن هذا يصلح لكل الصنائع وليس بمقصور على صناعة البلاغة وحدها ثم إنما سئل عن بيان الصواب في هذه الصناعة من الخطأ فجعل جواب السائل نفس سؤاله. وبهذا أيضاً يفسد قول من ادعي أن حدها الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطل. وقول من قال: البلاغة اختيار الكلام [1] بيد بمعنى غير أو من أجل.
اسم الکتاب : سر الفصاحة المؤلف : ابن سنان الخفاجي الجزء : 1 صفحة : 59