اسم الکتاب : سحر البلاغة وسر البراعة المؤلف : الثعالبي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 168
نجا بروحه التي هي رهينة غيها، وصريعة بغيها. لم يبق منه إلا شفافة أخطأت براثن الأسد، وبقية هي هامة اليوم أو غد.
ذكر المنهزمين ووصف أحوالهم
طاروا بأجنحة الرعب لا ينثني آباؤهم على أبنائهم، ولا يلوي سراعهم على بطائهم. طاروا بأجنحة الوجل، وتصوروا حاضر الأجل. نكصوا على الأعقاب، وطاروا بخوافي العقاب. اجفلوا إجفال النعام، واقشعوا إقشاع الغمام. سبقوا الطلب باقدام الفرار، وتوقوا مواقع السيوف بملابس من العار. تمزقوا في البلاد كما يمزق الريح رجل الجراد. عاينوا هول المطلع فولوا الادبار، وتجللوا الإدبار، وطاروا كل مطار. تتقلب بهم المزال والمداحض، وتساقطت بهم قواهم النواهض. لم يشعر به حتى صار جنيناً قد واراه بطن الليل، طار كهباء الريح وغثاء السيلز نفض يده بالخميس، وأعرب ببرد الهرب عن حر الوطيس. تشتتوا أيدي سبا، وتفرقوا جنوباً وصبا. فلت شباتهم، وجمع على الذل شتاتهم، وحاق البلاء بهم، وحقت كلمة العذاب عليهم، ونكصوا خائبين، وانهزموا خائفين. تفرقوا في جهات المهارب، واعتصموا بالأنهار والمسارب. نفتهم الأرض من مناكبها، وضاقت عليهم من جوانبها. جعلوا يتسللون من أثناء الأنهار، وكل ينهار في جرف هار. طار بين سمع الارض وبصرها. لا يدري ما يطا من حجرها ومدرها. هام على وجهه لا يدري أفي الأرض يطلب مدخلا، أو في السماء يلتمس معقلاً وكلاً كذا فإن تخومك الأرض تسلمه، ونجوم السماء ترجمه. تطاير حشدهم الفجرة، كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة. طاحوا كل مطاح، وطاروا بأجنحة الرياح. لا يجدون في الخضراء مصعدا، ولا على الغبراء مقعدا. لم تلقهم أرض، ولم يسعهم طول ولا عرض. لفظتهم البلاد، ومجتهم البقاع، إلى حيث لا استواء قدم، ولا اهتداء بعلم، ولا سماء تظلهم أو تجنهم، ولا
اسم الکتاب : سحر البلاغة وسر البراعة المؤلف : الثعالبي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 168