اسم الکتاب : سحر البلاغة وسر البراعة المؤلف : الثعالبي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 151
واتصلت غمائمه وغممه. قد ملكته الهزة للظلم، وأخذته العزة بالإثم. بسط يده في المظالم يحتقبها، والمحارم يرتكبها، وإذا رأيت ثم أملاكاً مغصوبة ومنهوبة، ورعايا مأكولة ومشروبة، وضرائب ضربت الأموال بالتمحيق، والبضائع بالتمزيق. تلك البلاد تلتهب بجمرات ظلمه، وتنتهب ببدرات غشمه. فالحرم منتهكة، والرعية محتنكة. رعية مدفوعون إلى فقد الرياش، وضيق المعاش. قد أداهم الغلاء إلى والبلاء، والبلاء إلى الجلاء والإضافة، إلى الفاقة، وصارت الخصاصة فوضى بين العامة والخاصة، أمراؤهم عجزة قعدة، وكتابهم خونة مرقة، فالأعراض بينهم منهوكة، والأستار مهتوكة. والدماء مسفوكة، والأموال مجتاحة، والديار مستباحة، والحر بالعراء منبوذ، والوغد مكرم مصفود. أولئك قوم رضيعهم قد غذي بالعدوان حتى دب، وصبيهم ربي بالطغيان حتى شب، وشابهم قد تدرب بالظلم والفسوق حتى شاب، وشيخهم قد أضب على الإثم والفسوق حتى افترش التراب. بلاد معالم الحق فيها درست، وألسنة العدل بينها خرست، ورياح القتل والنهب هبت فلا تركد، وأشخاص الظلم والإثم مثلت فلا تقعد. جعلوا يغيرون ويبيرون، ويثيرون من الفتنة ما يثيرون. لا عن الدماء كفوا، ولا عن الفروج عفوا. ما الذئب في الغنم بالقياس إليه إلا من الصالحين، ولا السوس في الصوف في الصيف عنده إلا بعض المحسنين، ولا الحجاج في أهل العراق معه إلا أول العادلين، ولا فرعون في بني إسرائيل إذا قابلته به إلا من الملائكة المقربين. ما ترك لرعيته فضة إلا فضها، ولا ذهباً إلا ذهب به، ولا علقاً إلا اعتلقه، ولا عقاراً إلا عقره، ولا ضيعة إلا أضاعها، ولا غلة إلا غلها، ولا مالاً إلا مال عليه، ولا عرضاً إلا تعرض له، ولا حالاً إلا حال عليها، ولا ماشية إلا امتشها، ولا فرساً إلا افترسه، ولا سبداً إلا استبد به، ولا بزة إلا بزها، ولا خلعة إلا خلعها، ولا جليلاً إلا اجتله، ولا دقيقاً إلا دقه.
اسم الکتاب : سحر البلاغة وسر البراعة المؤلف : الثعالبي، أبو منصور الجزء : 1 صفحة : 151