اسم الکتاب : رسالة الغفران المؤلف : المعري، أبو العلاء الجزء : 1 صفحة : 205
ويجوز أن يكون قد رشح إلى هذه المرأة شيء من آداب الخؤولة، فليتق معرَّة بيانها، أكثر من اتقّائه خلسة بنانها. فهو يعلم أنَّ الشعر ورثه زهير بن أبي سلمى من خاله بشامة بن الغدير ولم يكن مزينة شعر يذكر، وحضره زهير عند الوفاة فأراد أن يعطيه شيئاً من ماله، فال بشامة: أما بكفيك أنّي ورَّثتك غرائب القصيد؟ وربمّا كان في نساء حلب، حرسها الله، شواعر، فلا يأمن أن تكون هذه منهنّ، فطالما كنَّ أجود غرائز من رجالهنّ، وحدّث رجل ضرير من أهل آمد يحفظ القرآن، يأنس بأشياء من العلم، انّه كان وهو شاب له امرأة مقينة تزين النساء في الأعراس، وكان ينجم في القرع، وكان يعتمد حفظ تلك الأشعار ويدرسها في بيته، ولا غريزة له في معرفة الأوزان، فيكر البيت. فتقول له امرأته الماشطة: ويلي! ما هذا جيد! فيلاجها ويزعم أنّها مخطئة. فإذا أصبح مضى فسأل من يعرف ذلك، فأخبره أنّ الصواب معها، وعرفَّه كيف يجب أن يكون، فإذا لقنه عنه، عاد في اللّيلة الثانية، فذكره وقد أصلح، فتقول الماشطة: هذا الساعة جيد.
وكان لي كريَّ من أهل البادية عرف بعلوان وله امرأة تزعم أنّها من طيّ، فكان لا يعرف موزون الأبيات من غيره، وكانت المرأة تحس بذلك. وكانت تتأسف على طفلٍ مات لها يقال له رجب، وكانت تنشد هذا البيت:
إذا كنت من جرَّا حبيبك موجعاً
فلا بدَّ يوماً من فراق حبيب فقالت يوماً:
إذا كنت من جرَّا رجيب موجعاً
فعلمت أنّ الوزن مختلّ، فقالت:
إذا كنت من جرَّاً رجيبن موجعا
فحركت التنوين وأنكرت تحريكه بالطبع. فقالت:
إذا كنت من جرَّا رجيبك موجعاً
فأضافته إلى الكاف فاستقام الوزن
اسم الکتاب : رسالة الغفران المؤلف : المعري، أبو العلاء الجزء : 1 صفحة : 205