اسم الکتاب : رسالة الغفران المؤلف : المعري، أبو العلاء الجزء : 1 صفحة : 182
فقال: كنت عاهدت الله إذا بلغت ستين سنةً أن أتوب، وقد بلغتها. فأعفاه المعتصم من الغناء وحضور الشراب.
والتّوبة إذا لم تكن نصوحاً، لم يلف خلقها منصوحاً. وكان في بلدنا رجلٌ مغرمٌ بالقهوة، فلمّا كبر رغب في المطبوخ، وكان يحضر مع نداماه وبين يديه خرداذيُّ فيه مطبخةٌ، وعندهم قدحٌ واحدٌ، فيشرب هو من المطبوخ ويشرب صحابه من النيء، فإذا جاء القدح إليه ليشرب، غسله من أثر الخمر وشرب فيه، فإذا فرغ خرداذيُّ المطبوخ رجع فشرب من شراب إخوانه.
وأمّا مخاطبته غيره وهو يعني نفسه، فهو كقولهم في المثل: إيّاك أعني واسمعي يا جارة. ولا عندد عن الجبلَّة، يريد المتنسِّك أن ينصرف حبُّه عن العاجلة، وليس يقدر على ذلك، كما لولا تقدر الظبية أن تصير لبؤةً، ولا الحصاة أن تتصوَّر لؤلؤةً: يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنَّك كنت من الخاطئين. وقول القائل في الدّعاء: اللهم اجعل وصعي بازياً، يكون للسّفه مواذياً.
ولقد علمت ولا أنهاك عن خلق ... أن لا يكون امرؤ إلاّ كما خلقا
وإنَّا لنجد الرّجل موقناً بالآخرة، مصدِّقاً بالقيامة، معترفاً بالوحدانية وهو يحجأ على النّابح بعظمٍ، وعلى الجارية بعارية نظمٍ، كأنّه في الأرض مخلدٌ، وإن فني سهلٌ وجلدٌ.
وكثير من الذين يتلون الآية: " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلِّ سنبلة مائة حبِّةٍ، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسعٌ عليم ". وهم بها مصدِّقون، ومن خشية إلههم مشفقون، يضنُّون بالقليل التافه ولا يسمحون للسّائل ولا الوافه، فكيف تكون حال من ينكر حديث الجزاء، ولا يقبل عن الفانية حسن العزاء؟ وقد
اسم الکتاب : رسالة الغفران المؤلف : المعري، أبو العلاء الجزء : 1 صفحة : 182