responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دراسات في الفن الصحفي المؤلف : إبراهيم إمام    الجزء : 1  صفحة : 201
والفنان الأصيل لا يجرد الحقيقة كما يجردها الصحفي، ولكنه يدرك اللون ويعبر عن اللون، ويحيا في هذه الحياة خبرات معينة ليعبر عنها مباشرة ويقدمها في إطار جمالي دون أن يحولها إلى معان سياسية واجتماعية كما يفعل الصحفي. والفرق بين الأدب والصحافة أو بين المستوى الجمالي والمستوى الاجتماعي للغة، يقابله كذلك فروق أخرى بين كل من المستوى الأدبي والعملي والعلمي.
فجدول الماء مثلا يراه الأديب ويراه العالم. ولكن الأديب يصف شكله كما يحسه تماما ويتحدث عن ألوانه وألوان ما يحيط به من نبات وحيوان، ويصور خرير الماء أو هديره، وهدوء سطحه أو تموجاته وانكساراته على حالة الصخر، وتستطيع إذا قرأت كتابة فنية جميلة عن هذا الجدول أن تحس به، وترى أزهاره وتستمتع بضوء القمر الذي يغمره. أما العالم، حين ينظر إلى الجدول نفسه فإنه لا يرى فيه إلا جزئيات وذرات وبروتونات وإلكترونات، يراها تدور في أفلاكها المحددة ودوراتها المقدرة، ويعبر عن ذلك على أساس قوى الشد والجذب الأفقية والحركة العمودية ثم جاذبية الأرض وإشعاع الضوء وانكساره وتردد الصوت وقياسه وهكذا.. ويستحيل أن تعتبر هذه جميعا خبرات موضوعية عن جدول الماء، وإنما هي مسائل افتراضية قائمة على أسس علمية، ونظريات تصيب أو تخطئ تبعا لتطور العالم وتقدمه على توالي العصور والأزمان.
والأديب فنان يستعمل الألفاظ على النحو الذي يروقه أو يفضله على غيره، أما الصحفي فإنه يلتزم طريقة بعينها، قائمة على البساطة والوضوح، وتيسير الفهم على القارئ العادي، ولما كان الصحفي يعرض أفكارا وآراء، ويفسر اتجاهات ويشرح بيانات، فإن واجبه أن يتجنب أسلوب الأديب الذي يكون غالبا أسلوبا منمقا بالمحسنات اللفظية، موشى بالحيل البديعية، أو أن الصور البيانية تتلاحق فيه وفقا لذوق الكاتب وإدراكه لمعاني الجمال، الذي هو هدف المقال الأدبي. أما المقال الصحفي فلا يمكن أن يكون منمقا في لغته أو موشى في عباراته، ولا يجب أن تتراكم فيه الصور البيانية؛ لأنها ربما تعوق القارئ في فهمه لفكرة الكاتب في سرعة ووضوح ويسر.

اسم الکتاب : دراسات في الفن الصحفي المؤلف : إبراهيم إمام    الجزء : 1  صفحة : 201
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست