اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 273
ورب أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهن وجيب
ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب
وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة ... ويخطئ في الحدس الفتى ويصيب
وواضح من هذا النغم الرزين أن الشاعر يسيطر سيطرة مقتدرة على انفعالات جائشة قوية، يمكن أن تسمع ضجتها وراء تلك الرنة الرزينة.
وشاهدنا قوله: فإني وقيار بها لغريب.
فقد أراد أن يصف إحساسه بالغربة والوحشة، فذكر أن هذه الغربة الكئيبة قد أحسها بعيره كما أحسها هو، وأصل الكلام أن يقول: فإني لغريب بها وقيار غريب، ولكنه حذف المسند في الجملة الثانية؛ لأن ذكره في العبارة بعد دلالة القرينة عليه عبث يذهب بطلاوة الشعر؛ ولأن نفسه الضائقة بهذه الغربة تنزع إلى اللمح والإيجاز، وقيار اسم جمل الشاعر.
وفي البيت صنعة أخرى شريفة؛ لأنه لم يقل بعد الحذف: فإني لغريب بها وقيار، وإنما قال: فإني وقيار بها لغريب، فقدم قيارًا على بقية الجملة، وأقحمه بين جزئيها، وذلك لقصد التسوية بينهما في التحسر على الاغتراب، ويفسر لنا العلامة سعد الدين هذا السر الرائع، فيقول: "إنه لو قيل: إني لغريب وقيار لجاز أن يتوهم أن له مزية على قيار في التأثر بالغربة؛ لأن ثبوت الحكم أولا أقوى، فقدمه لتأتي الإخبار عنهما دفعة بحسب الظاهر تنبيها على أن قيارا مع أنه ليس من ذوي العقول قد ساوى العقلاء في استحقاقه الإخبار عنه بالاغتراب قصدا إلى التحسر"، هذا تحليل العلامة سعد الدين، وهو واحد من أركان علم الكلام، وهو في البلاغة يتذوق ويحلل.
وكان من خبر هذه الأبيات أن صاحبها ضابئ بن الحارث استعار كلبا من بني نهشل، وأطال مكثه عنده، وطلبوه فامتنع فلما عرضوا له، وأخذوه منه
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 273