اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 86
يفي ويقي فيهما جناس التصحيف، ومنهم من يسميه جناس الخط، وهو ما تماثل ركناه خطًّا واختلفا لفظًا، والمقدم في هذا قوله تعالى: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [1] ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "قصر ثوبك فإنه أنقى وأتقى وأبقى" وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سمع رجلًا ينشد على سبيل الافتخار، وقيل: سأله عن نسبه فقال:
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... لا من ربيعة آبائي ولا مضر
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "ذلك والله ألأم لجدك وأقل لحدك" ومنه قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: لو كنت تاجرًا ما اخترت غير العطر، إن فاتني ربحه لم تفتني ريحه ومنه قول القاضي الفاضل، في بعض رسالاته: فأنتم يا بني أيوب أيديكم آفة أنفس الأموال، كما أن سيوفكم آفة أنفس الأبطال، فلو ملكتم الدهر لامتطيتم لياليه أداهم وقلدتم بيض أيامه صوارم، ووهبتم شموسه وأقماره دنانير ودراهم، وأوقاتكم أعراس ومآتم إلا على الأموال فهي مآثم، والجود خاتم في أيديكم، ونفس حاتم[2] نقش في ذلك الخاتم. وقال أهل الأدب: خلف الوعد خلق الوعد[3] والأربعة أركان بغير حشو، وهو غاية في هذا الباب ومن النظم قول الشاعر:
فإن حلو فليس لهم مقر ... وإن رحلوا فليس لهم مفر
ومثله قول أبي فراس:
من بحر جودك أغترف ... وبفضل علمك أعترف
ولم أذكر هنا من جناس التصحيف إلا النوع السالم من اختلاف الحركة بالتحريف، فإنه إذا اجتمع فيه النوعان صار مشوشًا، كقول الحريري: "زينت زينب بقد يقد" فهذا في التحريف والتصحيف. وقد تقدم أن الركنين، إذا تجاذبهما نوعان من التجنيس ولم يخلصا لواحد، كان الجناس مشوشًا، ومثله قول أبي تمام: "في حده الحد بين الجد واللعب".
ومن المصحف السالم، ما كتبت به إلى المقر المخدومي، فخر الدين بن مكانس، في رسالتي التي ذكرت فيها حريق دمشق وهو: وأضحت أوقات الربوة، بعد ذلك العيش [1] الشعراء: 26/ 79، 80. [2] حاتم الطائي ويضرب به المثل في الكرم العربي القديم. [3] أي عدم الوفاء بالوعد اللئيم الخسيس من الناس.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 86