اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 111
فأي شيء أبعد استعارة من صوت المال، وكيف يصيح ويبح من الشكوى، ومثله قول بشار:
وجدّت رقاب الوصل أسياف هجرنا ... وقدّت لرجل البين نعلين من خدي
قال ابن رشيق في العمدة، ما أقبح رجل البين، وأهجن استعارتها، وكذلك رقاب الوصل. ومثله قول ابن المعتز: وهو من أنقد النقاد: كل يو[1] يبوب زب السحاب. وأين هذا البعد من قرب استعارة ابن نباتة القديم في قوله:
حتى إذا نهر الأباطح والثرى ... نظرت إليه بأعين النوار2
فنظر أعين النوار من أشبه الاستعارات وأليقها وأقربها، لأن النوار يشبه العيون إذا كان مقابلا لمن يمر به، كأنه ناظر إليه، ويعجبني هنا قول القائل، ولم يلحق فيما قاله:
مجرة جدول وسماء آس ... وأنجم نرجس وشموس ورد3
ورعد مثالث وسحاب كاس ... وبرق مدامة وضباب ند4
ومن الغايات في هذا الباب قول مجير الدين بن تميم:
وليلة بت أسقي في غياهبها ... راحًا تسل شبابي من يد الهرم5
ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم6
والذي اتفق عليه علماء البديع، أن الاستعارة المرشحة هي المقدمة في هذا الباب، وليس فوق رتبتها في البديع رتبة، وأعلاها وأغلاها قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [7] فإن الاستعارة الأولى، وهي لفظ الشراء، رشحت الثانية، وهي لفظ الربح والتجارة، ومن الاستعارات المرشحة قول الإمام [1] هكذا في الأصل، ونظنها: يوم.
2 نَهَرَ: جعل فيها أنهارًا، الأباطح: مفرده أبطح وهو السهل من الأرض، النوار: نوع من الأزهار.
3 مجرة جدول: جدول كأنه المجرة، والمجرة مجموعة كبيرة من النجوم. وسماء آس: أي سماء كأن نجومها أزهار الآس وهو شجر زهره أبيض.
4 رعد مثالث: أي مكرر ثلاث مرات حتى صار مما يعتاد، ند: أي يترك الندى.
5 غياهب: ظلمات مفردها غيهب.
6 غزالة: الصبح: الشمس. [7] البقرة 20/ 16.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 111