اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 98
فبقي في الوقت خليفتان: أكبرهما ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، ثم لم يزل عبد الملك إلى أن ظفر به وقتله بعد حروب عظيمة. وذلك أنه سار من دمشق إلى العراق، فبرز إليه نائبها مصعب بن الزبير، وكان عبد الملك قد كاتب جيشه بأمور، فخذلوه وتسللوا عنه، فصار مصعب في نفر يسير، والتحم بينهما القتال، فظهرت من مصعب شجاعة عظيمة، ولم يزل كذلك حتى قتل، فاستولى عبد الملك حينئذ على العراق وخراسان، واستناب عليها أخاه بشر بن مروان، وكر راجعا إلى دمشق، ثم جهز الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش لحرب ابن الزبير، فحاصروه وضايقوه ونصبوا المنجنيق على جبل أبي قبيس، فكان يضرب بشجاعته المثل. كان رضي الله تعالى عنه، يحمل عليهم وحده فيهزمهم ويخرجهم، من أبواب المسجد واستمر يقاتلهم أربعة أشهر، ففي آخرها حمل عليهم فسقطت على رأسه شرافة من شراريف المسجد، فخر منها، فبادروا إليه واحتزوا رأسه، رضي الله تعالى عنه. فأمر اللعين الحجاج، أخزاه الله وقبحه، بصلب جسده.
وكان عبد الملك، قبل الخلافة متعبدا ناسكا عالما فقيها واسع العلم، وكان طويل العنق رقيق الوجه مشدود الأسنان بالذهب، حازما لا يكل أمره إلى سواه شديد البخل، يلقب برشح الحجر لبخله، ويلقب أيضا بأبي ذباب لبخره محبا للفخر، ومقداما على سفك الدماء، وكذلك كان عماله: الحجاج بالعراق، والمهلب بن أبي صفرة بخراسان، وهشام بن إسماعيل وعبد الله ابنه بمصر، وموسى بن نصير بالمغرب، ومحمد بن يوسف أخو الحجاج باليمن، ومحمد بن مروان بالجزيرة. وكل من هؤلاء ظلوم غشوم جبار. قاله ابن خلكان.
ومن غريب ما سمع، فيما حكاه ابن خلكان، أن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد ابنه، دخلا على عبد الملك بن مروان، وعنده قائف «1» فأجلسهما، ثم قال للقائف: أتعرف هذا؟ قال: لا ولكن أعرف من أمره، إن هذا الفتى الذي معه ابنه، وأنه يخرج من عقبه فراعنة يملكون الأرض، لا يناويهم مناو إلا وقتلوه. فتغير لون عبد الملك. ثم قال: زعم راهب إيليا، وكان قد رآه عنده، أنه يخرج من صلبه ثلاثة عشر ملكا، ووصفهم بصفاتهم. وذكر أبو حنيفة في الأخبار الطوال أن عبد الملك بن مروان، أوصى ابنه الوليد، لما ثقل في مرضه، فقال: يا وليد لا ألفينك إذا وضعتني في حفرتي، تعصر عينيك كالأمة الولهاء، بل اتزر وشمر والبس جلد النمر، وادع الناس إلى البيعة فمن قال برأسه كذا أي لا، فقل بالسيف كذا أي أضرب عنقه.
وكان عبد الملك يلقب بحمامة المسجد، لقبه به ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وجاءته الخلافة وهو يقرأ في المصحف، فطبقه وقال: سلام عليك، هذا فراق بيني وبينك. وقيل إنه قيل لابن عمر رضي الله تعالى عنه: أرأيت لو نفاني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمن نسأل بعدهم؟
فقال: سلوا هذا الفتى، يعني عبد الملك، توفي عبد الملك بن مروان في شوال سنة ست وثمانين، وله ثلاث وستون سنة، وقيل ستون. وخلف سبعة عشر ولدا ولي الخلافة منهم أربعة. وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة عشر يوما، منها ثمان سنين مزاحما لابن الزبير. ثم انفرد بمملكة الدنيا إلى أن مات رحمة الله عليه.
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 98