اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 439
فألهمه الله تعالى الدعاء، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا جاءته وأمكنته من ناصيتها وذللها الله تعالى له. ولو ذكرنا ما قال الناس في ذلك، وشرحناه بطوله لطال. فقد تكلم الناس في ذلك كثيرا وذكروا من خواص الخيل ومنافعها شيئا كثيرا، ليس ذلك كله مما نلتزم صحته، ومطالبة القاصد بسرعة الجواب، في أسرع وقت، تقتضي الاقتصار على ما قلناه، وفيه كفاية. وأما قولنا إن خلق الذكور قبل الإناث، فلأمرين: أحدهما شرف الذكر على الأنثى، والثاني حرارته وإن كان الإثنان من جنس واحد، من مزاج واحد، فأحدهما أكثر حرارة من الآخر، فقد جرت عادة القدرة الإلهية بتكوين أقواهما حرارة قبل الآخر، والذكر أقوى حرارة من الأنثى، فناسب أن يكون وجوده أسبق ولتحصل المنة به أكثر، ولذلك كان خلق آدم عليه السلام قبل خلق حوّاء، ولأن أعظم ما يقصد له الخيل الجهاد، والذكر في الجهاد خير من الأنثى، لأن الذكر أجرى وأجرأ، أعني أشد جريا وأقوى جراءة، ويقاتل مع راكبه والأنثى بخلاف ذلك، وقد تقطع بصاحبها أحوج ما يكون إليها، إذا كانت وديقا، ورأت فحلا، ولا يرد على ذلك ركوب جبريل عليه السلام أنثى، لما جاز البحر بموسى عليه السلام، لأن ذلك لركوب فرعون فحلا فقصد طلبه للأنثى وعجز فرعون عن إمساك رأسه. وأما قولنا إن العربيات قبل البراذين، فلما ذكر من حديث إسماعيل عليه السلام، ولأن العربيات أشرف وآصل. والبرذون إنما يكون بعارض أو علة إما فيه وإما في أبيه أو أمه، ولم تكن البراذين تذكر فيما خلا من الزمان ألا ترى إلى قصة إسماعيل عليه السلام، وقصة سليمان عليه السلام، وإنما البراذين ما انتحس من الخيل، حتى اختلف العلماء هل يسهم كما يسهم للفرس العربي أو لا؟ وفي حديث من مراسيل مكحول، في بعض ألفاظه «للفرس سهمان وللهجين سهم» . فهذه الرواية تقتضي أن الهجين لا يسمى فرسا، والهجين هو البرذون أو قريب منه. وبالجملة البراذين حثالة الخيل وما كان الله تعالى ليخلق من الجنس حثالة في الأول. وأما الأحاديث النبوية والآثار الصحيحة، فإن ما جاء منها في فضيلة الخيل وسباقها، وشياتها وفضيلة اتخاذها، وبركتها والنفقة عليها وخدمتها، ومسح نواصيها والتماس نسلها، وثمنها ونمائها، والنهي عن خصائها، وجز نواصيها وأذنابها وإزالتها، وفيما يقسم لصاحبها من الغنيمة واختلاف العلماء فيه، وهل يجب فيها زكاة أو لا؟ وغير ذلك أضرّ بنا للعجلة.
وهذه نبذة يسيرة كتبتها على سبيل العجلة في ساعة من النهار، ولعجلة المطالب بها، وإن اخترتم كتبت فيها كتابا مستقلا إن شاء الله تعالى. الحكم:
أكل لحوم الخيل يأتي إن شاء الله تعالى، في باب الفاء في لفظ الفرس. وذكر الصميري، في شرح الكفاية، أنه لا يجوز بيعها لأهل الحرب كالسلاح، ويكره أن تقلد الأوتار لما روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بشير الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قال الخطابي: «وأمره صلى الله عليه وسلم بقطع قلائد الخيل» . قال مالك: أراه من أجل العين. وقال غيره: إنما أمر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس، وقال آخرون: لئلا تختنق بها عند شدة الركض، ويحتمل أن يكون أراد عين الوتر خاصة دون غيره من السيور والخيوط.
وقيل: معناه لا تطلبوا عليها الأوتار والدخول ولا تركضوها في درك الثار، على ما كان من عادتهم في الجاهلية والسبق فيها معتبر بالأعناق، وفي الإبل بالأكتاف، لأن الإبل ترفع أعناقها في العدو،
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 439