اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 314
المدينة رسخ العلم فيها وظهر منها. البصرة شتاؤها جليد، وحرها شديد، وماؤها ملح، وحربها صلح. الكوفة ارتفعت عن حر البحر، وسفلت عن برد الشأم. واسط جنة بين حمأة وكنة. قال وما حمأتها وكنتها؟ قال: البصرة والكوفة يحسدانها وما يضرها، ودجلة والفرات يتجاريان بإضافة الخير عليها. الشأم عروس بين نسوة جلوس. ثم قال في أثناء كلامه «لكل جواد كبوة» «1» ، «ولكل صام نبوة» «2» ، «ولكل حليم هفوة» «3» . فقال الحجاج: إن العرب تزعم أن لكل شيء آفة. قال:
صدقت العرب، أصلح الله الأمير، آفة الحلم الغضب، وآفة العقل العجب، وآفة العلم النسيان، وآفة السخاء المن عند البذل، وآفة العبادة الفترة، وآفة الكرم مجاورة اللئام، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الماء سوء التدبير، وآفة الكامل من الرجال العدم. قال: فما آفة الحجاج؟
قال: لا آفة لمن كرم حسبه، وطاب نسبه، وزكا فرعه. فقال الحجاج: امتلأت شقاقا، وأظهرت نفاقا. اضربوا عنقه. فلما رآه قتيلا ندم على قتله. وكان قتله في سنة أربع وثمانين وقد ذكرت هذه الحكاية بطولها في كتاب «غاية الارب في كلام حكماء العرب» . وهو في ثلاثة مجلدات. ومن أمثال العرب المشهورة «ان الجواد عينه «4» فراره» . أي يغنيك شخصه ومنظره، عن أن تخبره وأن تفر أسنانه.
وحكى صاحب ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار، أنه عرض على أبي مسلم الخراساني، صاحب الدعوة جواد لم ير مثله، فقال لقواده: لماذا يصلح هذا الجواد؟ قالوا: للغزو في سبيل الله. قال: لا. قالوا: فيطلب عليه العدوّ. قال: لا. قالوا: فلماذا يصلح أصلح الله الأمير؟ قال:
ليركبه الرجل، ويفر به من المرأة السوء، والجار السوء. ومن أحسن أوصاف الخيل الصافنات قال الله تعالى: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ
«5» قال أهل التفسير: إنها كانت ألف فرس لسليمان عليه الصلاة والسلام، وإنما عقرها لأنها كانت سببا في فوت الصلاة. قال بعض العلماء:
لما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها، ما هو خير له منها، وهو الريح التي كان غدوها شهرا ورواحها شهرا. وروى الإمام أحمد قال: حدثنا اسماعيل قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو هذا البيت قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل، فكان من كلامه: «إنك لا تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه» . وأخرجه «6» النسائي من حديث ابن المبارك عن سليمان بن الحسين. وأبو الدهماء اسمه قرفة بن بهيس، وقيل بن بيهس. روى له الجماعة إلا البخاري. وقال الثعلبي: كانت بالناس مجاعة، ولحوم الخيل لهم حلال، وإنما عقرها لتؤكل، على وجه القربة بها، كالهدي عندنا، ونظير هذا ما فعله أبو طلحة الأنصاري بحائطه، إذ تصدق به لما دخل عليه الدبسي، وهو في الصلاة فشغله.
والصافن الذي يرفع إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه وقد يفعل ذلك برجله، وهي
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 314