اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 232
في وكره وتخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه. وهي قوية السلطان بالليل لا يحتملها شيء من الطير ولا تنام بالليل، فإذا رآها الطير بالنهار قتلنها ونتفن ريشها، للعداوة التي بينهن، وبينها ومن أجل ذلك صار الصيادون يجعلونها تحت شباكهم ليقع لهم الطير. ونقل المسعودي عن الجاحظ أن البومة لا تظهر بالنهار، خوفا من أن تصاب بالعين لحسنها وجمالها ولما تصور في نفسها أنها أحسن الحيوان لم تظهر إلا بالليل. وتزعم العرب في أكاذيبهم أن الإنسان إذا مات أو قتل، تتصور نفسه في صورة طائر، تصرخ على قبره، مستوحشة لجسدها، والطائر ذكر البوم وهو الصدى. وفي ذلك يقول توبة الحميري «1» أحد عشاق العرب:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فيقال: إنها مرت بقبره فأنشدت ذلك فارتفع شيء من القبر كالطائر، نفرت منه ناقتها فسقطت ميتة ودفنت إلى جانبه. والبوم أصناف وكلها تحب الخلوة بأنفسها والتفرد وفي أصل طبعها عداوة الغربان. وفي تاريخ ابن النجار أن كسرى قال لعامل له: صد لي شر الطير، واشوه بشر الوقود، وأطعمه شر الناس، فصاد بومة وشواها بحطب الدفلى وأطعمها ساعيا. وفي سراج الملوك للإمام أبي بكر الطرطوشي، في الباب السابع والأربعين أن عبد الملك بن مروان، أرق ليلة فاستدعى سميرا له يحدثه، فكان فيما حدثه به أن قال: يا أمير المؤمنين كان بالموصل بومة وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أفعل إلا أن تجعلي لي صداقها مائة ضيعة خراب. فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا، سلمه الله علينا، سنة واحدة فعلت لك ذلك. قال: فاستيقظ لها عبد الملك، وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقد أمور الولاة. ورأيت في بعض المجاميع، بخط بعض العلماء الأكابر، أن المأمون أشرف يوما من قصره فرأى رجلا قائما وبيده فحمة وهو يكتب بها على حائط قصره، فقال المأمون لبعض خدمه: اذهب إلى ذلك الرجل، وانظر ما يكتب وائتني به. فبادر الخادم إلى الرجل مسرعا وقبض عليه وتأمل ما كتبه فإذا هو:
يا قصر جمع فيك الشوم واللوم ... متى يعشش في أركانك البوم
يوم يعشش فيك البوم من فرحي ... يكون أول من ينعيك مرغوم
ثم إن الخادم قال له: أجب أمير المؤمنين: فقال له الرجل: سألتك بالله لا تذهب بي إليه.
فقال الخادم: لا بد من ذلك. ثم ذهب به فلما مثل بين يدي المأمون، أعلمه الخادم بما كتب.
فقال المأمون: ويلك ما حملك على هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه لن يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال والحلى والحلل والطعام والشراب والفراش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك، مما يقصر عنه وصفي ويعجز عنه فهمي، وإني يا أمير المؤمنين قد مررت الآن
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 232