اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 187
المشرق والمغرب ولا يزن عند الله جناح بعوضة» . وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «1» : «ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة اقرؤوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» . رواه البخاري في التفسير، ومثله في التوبة. قال العلماء: معنى هذا الحديث أنهم لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار. وقال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: يؤتى بأعمال كجبال تهامة فلا تزن عند الله شيئا، وقيل: المراد المجاز والاستعارة كأنه قال لا قدر لهم عندنا يوم القيامة وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما في ذلك من تكلف المطاعم الزائدة على قدر الكفاية وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الرجال إلى الله الحبر السمين» . قال وهب بن منبه لما أرسل الله تعالى البعوض على النمروذ، اجتمع منه في عسكره ما لا يحصى عددا، فلما عاين النمروذ ذلك، انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق الأبواب وأرخى الستور ونام على قفاه مفكرا، فدخلت بعوضة في أنفه وصعدت إلى دماغه فعذب بها أربعين يوما حتى إنه كان يضرب برأسه الأرض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقطت منه كالفرخ وهي تقول كذلك يسلط الله رسله على من يشاء من عباده ثم هلك حينئذ. وقال محمد بن العباس «2» الخوارزمي الطبرخزي في الوزير أبي القاسم المزني لما قبض عليه:
لا تعجبوا من صيد صعوبازيا ... إن الأسود تصاد بالخرفان
قد غرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بني كنعان
وروى جعفر «3» الصادق بن محمد الباقر، عن أبيه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عليه السلام، عند رأس رجل من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفق بصاحبي فإنه مؤمن» .
قال: «إني بكل مؤمن رفيق وما من أهل بيت إلا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ولو أني أردت قبض روح بعوضة ما قدرت حتى يكون من الله تعالى الأمر بقبضها» . قال جعفر بن محمد بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة انتهى.
ومن هذا وما تقدم عن مالك في البراغيث، يعلم أن ملك الموت هو الموكل بقبض كل ذي روح والبعوضة على صغر جرمها قد أودع الله تعالى في دماغها قوة الحفظ وفي وسطه قوة الفكر وفي مؤخره قوة الذكر. وخلق لها حاسة البصر وحاسة اللمس وحاسة الشم، وخلق لها منفذا اللغذاء ومخرجا للفضلة، وخلق لها جوفا وأمعاء وعظاما. فسبحان من قدر فهدى ولم يخلق شيئا من المخلوقات سدى وأنشد الزمخشري «4» في تفسير سورة البقرة:
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 187