اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 133
خلافة محمد القاهر بالله
ثم قام بالأمر بعده، أخوه أبو منصور محمد بن المعتضد بالله. بويع له بالخلافة ببغداد لليلتين بقيتا من شوال ولما ولي قبض على ابن أخيه المكتفي، وأمر به فأقيم في بيت وسد عليه بالآجر والجص حتى مات غما. وقبض على السيدة أم المقتدر، وطالبها بمال لم تقدر عليه، فتهددها وضربها بيده، وعذبها بأنواع العذاب، وعلقها منكسة حتى كان يجري بولها على وجهها، وهي تقول له: ألست أمك في كتاب الله؟ وخلصتك من ابني في المرة الأولى؟ وأنت تعاقبني بهذه العقوبة! ولم يبق عندي مال. ثم إنها ماتت عقب ذلك.
ثم إن الجند شغبوا عليه، وجاؤوا إلى داره، وهجموا عليه من سائر الأبواب، فهرب إلى سطح حمام واستتر فيه، فأتو إليه وقبضوا عليه وحبسوه وخلعوه من الخلافة، وسملوا عينيه. وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. قال ابن البطريق في تاريخه: كان القاهر قد ارتكب أمورا قبيحة لم يسمع بمثلها في الإسلام، وذكر منها طرفا طويلا.
حكي أن رجلا قال: صليت في جامع المنصور ببغداد فإذا أنا بانسان عليه جبة عنابية، وقد ذهب وجهها وبقي بعض قطن بطانتها، وهو يقول: أيها الناس تصدقوا علي، بالأمس كنت أمير المؤمنين وأنا اليوم من فقراء المسلمين. فسألت عنه فقيل لي إنه القاهر بالله في هذه الحكاية أعظم عبرة. نعوذ بالله من سخطه وزوال نعمه.
وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وسبعة أيام، وكان أهوج طائشا سفاكا للدماء يدمن السكر، وكان له حربة يأخذها بيده، فلا يضعها حتى يقتل إنسانا ولولا وجود الحاجب سلامة لأهلك الناس.
خلافة أبي العباس أحمد الراضي بالله بن المقتدر
ثم قام بالأمر بعده أخوه، أبو العباس أحمد الراضي بالله بن المقتدر بن المعتضد. بويع له بالخلافة يوم خلع عمه القاهر. واستوزر أبا علي بن مقلة، وأطلق كل من كان في حبس القاهر، ثم استدعى بالأمير محمد بن رائق، وكان بواسط متغلبا عليها، لأن الضرورة ألجأته إلى ذلك، لاضطراب الأمور عليه، ولضعف من يلي الوزارة عن القيام بها.
فقدم ابن رائق بغداد فجعله الراضي أمير الأمراء وفوض إليه تدبير المملكة، وخلع عليه وأعطاه اللواء. ومن ذلك اليوم بطل أمر الوزارة ببغداد، ولم يبق إلا إسمها والحكم للأمراء والملوك المتغلبين. وكان قدومه لخمس بقين من ذي الحجة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ثم دخلت سنة خمس والدنيا في أيدي المتغلبين، وهم ملوك الأرض، وكل من حصل في يده بلد ملكه ومانع عنه، فالبصرة وواسط والأهواز في يد عبد الله البريدي وأخويه، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، والموصل وديار بكر وديار ربيعة وديار مضر في يد بني حمدان، ومصر والشام في يد الأخشيد بن طغج، والمغرب وافريقية في يد المهدي، والأندلس في يد بني أمية، وخراسان وما
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبرى المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 133