responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر المؤلف : الحُصري القيرواني    الجزء : 1  صفحة : 102
أو أقول لك: اكتب كتاباً في المعنى الذي أقول وأنص عليه، وأنشد من القصائد ما أريده من غير تثاقل ولا تغافل، حتى إذا كتبت ذلك قرىء من آخره إلى أوله، وانتظمت معانيه إذا قرىء من أسفله؛ هل كنت تفوق لهذا الغرض سهماً، أو تجيل قدحاً، أو تصيب نجحاً؟ أو قلت لك: اكتب كتاباً إذا قرىء من أوله إلى آخره كان كاتباً، وإذا عكست سطوره مخالفة كان جواباً؛ هل كنت في هذا العمل واري الزند، قاصد القصد؟ أو قلت لك: اكتب كتاباً على المعنى الذي أقترح، لا يكون فيه معنى متصل من واو تتقدم الكلمة، أو منفصل عنها بديهة، هل كنت تفعل؟ أو قلت لك: اكتب كتاباً خالياً من الألف واللام، لا تصب معانيه إلا على قالب ألفاظه، ولا تخرجه من جهة أغراضه، هل كنت تقف من ذلك موقفاً مشهوراً؟ أو يبعك ربك مقاماً محموداً؟ أو قلت لك: اكتب كتاباً أوائل سطوره كلها ميم، وآخرها جيم، على المعنى الذي أريد، هل كنت تغلو في قوسه غلوة، أو تخطو في أرضه خطوة؟ أو أقول لك: اكتب كتاباً يخلو من الحروف العواطل، هل كنت تحظى منها بطائل؟ أو تبل لهاتك بناطل؟ أو أقول لك: اكتب كتاباً إذا قرىء معوجاً، أو سرد معرجاً، كان شعراً، هل كنت تقطع في ذلك شعراً؟ بلى، والله تصيب ولكن من بدنك، وتقطع ولكن من ذقنك.
أو أقول لك: اكتب كتاباً إذا فسر من وجه كان مدحاً، وإذا فسر من وجه آخر كان قدحاً، هل كنت تقدر على هذه العمدة؟ أو تخرج من هذه العهدة؟ أو أقول لك: اكتب كتاباً كنت قد حفظته من دون أن لحظته، هل كنت تثق من نفسك به؟ بل است البائن أعلم.
فقال أبو بكر: هذه الأبواب شعبذة فقلت: وهذا القول طرمذة، فما الذي تحسن أنت من الكتابة وفنونها، حتى أباحثك عن مكنونها، وأكاثرك بمخزونها، وأثير فيها قلمك، وأسبر لسانك وفمك. فقال: الكتابة التي يتعاطاها أهل الزمان، المتعارفة بين الناس.
فقلت: أليس لا تحسن من الكتابة إلا هذه الطريقة الساذجة، وهذا النوع الواحد المتداول بكل قلم، المتناول بكل يد وفم، ولا تحسن هذه الشعبذة.
فقال: نعم! فقلت: هات الآن حتى أطاولك بهذا الحبل، وأنابلك بهذا النبل، ثم تقاس ألفاظي بألفظاك، ويعارض إنشائي بإنشائك؛ فأقترح كتاباً يكتب في النقود وفسادها، وفي التجارات وكسادها ووقوفها، والبضاعات وانقطاعها، والأسعار وغلائها.
فكتب أبو بكر بما نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، الدرهم والدينار ثمن الدنيا والآخرة؛ بهما يتوصل إلى جنات النعيم، ويخلد في نار الجحيم، قال الله تعالى: " خُذ من أموالهم صدقةً تُطهِّرهم وتزكّيهم بها وصَلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليم ". وقد بلغنا من فساد النقود ما أكبرناه أشد الإكبار؛ وأنكرناه أعظم الإنكار، لما نراه من الصلاح للعباد، وننويه من الخير للبلاد، وتعرفنا في ذلك بما يربح الناس في الزرع والضرع إلى كلمات لم تعلق بحفظنا.
فقلت: إن الإنكار والإكبار، والبلاد والعباد، وجنات النعيم ونار الجحيم، والزرع والضرع، قد نبت عن العد، وزلت عن اليد، وقد كتبت كما ترى بما ساوق فيه اللسان القلم، وسابقت اليد الفم، ولا أطالبك بمثل ما أنشأت. فاقرأه ولك اليد، وناولته الرقعة فبقي وبقيت الجماعة، وبهت وبهتت الكافة.
وهذا ما كتب البديع ارتجالاً: بسم الله الرحمن الرحيم: الله شاء أن المحاضر صدور بها وتملأ المنابر، ظهور لها وتفرع الدفاتر، وجوه بها وتمشق المحابر، بطون لها ترشق آثاراً، كانت فيه، آمالنا مقتضى على أياديه، في تأييده الله أدام الأمير جرى، وإذا المسلمين ظهور عن الثقل هذا ويرفع الدين، أهل عن الكل هذا يحط أن في إليه نتضرع، ونحن واقفة، والتجارات زائفة، والنقود صيارفة، أجمع الناس صار فقد كريماً نظراً إلينا لينظر شيمه، مصاب وانتجعنا كرمه، بارقة وشمنا هممه، على آمالنا رقاب وعلقنا أحوالنا، وجوه له وكشفنا آمالنا، وفود إليه بعثنا فقد نظره بجميل يتداركنا أن ونعماءه تأييده وأدام بقاءه الله أدام الحال الجليل الأمير رأى أن وصلى الله على النبي محمد وآله وصحبه وسلم.

اسم الکتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر المؤلف : الحُصري القيرواني    الجزء : 1  صفحة : 102
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست