responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل    الجزء : 1  صفحة : 59
2- ظهور الاتجاه المحافظ البياني:
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الطائفة من الشعراء ترتبط بالاتجاه التقليدي على اختلاف بينهم في نسبة هذا الارتباط، ومع اتضاح لبعض ملامح التجديد عند البعض، مما جعل التقليدية خالصة عند أمثال الشيخ علي أبي النصر، والشيخ علي الليثي، وغير خالصة عند أمثال صالح مجدي، وصفوت الساعاتي، نقول: في هذا الوقت كانت طائفة أخرى من الشعراء، قد نما وعيها أكثر، وصارت نفرتها من الاتجاه التقليدي أشد، ورأت هذه الطائفة أن المثل الشعري، ليس ما خلفته عصور التخلف، وأن التشبث بالألاعيب اللغوية والمحسنات البديعية، يجعل حقيقة الشعر تفلت من قبضة الشاعر.
وقد كانت هذه الطائفة الثانية تجمع -غالبًا- بين شيئين، لم يتهيأ للطائفة الأولى، وأول هذين الشيئين هو عدم إلحاح الحاجة عليها للتكسب بالشعر، تلك الآفاة التي من شأنها أن تشد الشاعر إلى حاكم أو غنى، وتجعله يقول: لا ما يرضي الشاعر نفسه، بل ما يرضي الحاكم أو ولي النعمة.
ومن هنا يكون الإكثار من شعر المدح الملق، والمناسابت التافهة، وما إلى ذلك مما لا يمس شعور الشاعر، أو يصدر عن إحساسه الصادق، أما الشيء الثاني الذي كان -غالبًا- يجمع بين هذه الطائفة الثانية من الشعراء؛ فهو البعد شبه الكامل عن الثقافة التقليدية، والقرب الشديد من الثقافة الحديثة، هذا بالإضافة إلى الاتصال القوي بألوان من الحياة الحضرية.
هذان العاملان، بالإضافة إلى عامل تقدم الوعي والنفرة من الأنماط التقليدية؛ جعل هذه الطائفة من الشعراء تبحث عن مثل للشعر غير المثل المتخلف، الذي غلب على نتاج التقليديين، ولم يكن من المستطاع أن يكون المثل الأعلى هو الشعر الأوروبي، وذلك؛ لأنه لم يكن قد ترجم منه إلى العربية حتى ذاك الوقت ما يمكن أن يلفت النظر، هذا بالإضافة إلى ما كان من توجس -في تلك الفترة- من هذه الوافدات الأجنبية، التي ترتبط بهؤلاء الأجانب الممثلين للعدوان في كثير من مظاهر الحياة المصرية.
وهكذا لم يكن أمام تلك الطائفة من الشعراء الواعين الموفورين ذوي الثقافة والحياة العصرية، إلا الشعر العرب القديم، في صورته البيانية الجديدة، التي خلفتها عصور الازدهار في المشرق والأندلس.. وكان ذلك متفقًا تمامًا مع روح الفترة، تلك الروح الواعية، الباحثة عن أمجاد الماضي العربي المشرق، لتتكئ عليها الأمة في كفاحها، ولتجمع بها شملها، وتقوى من

اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست