اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 51
4- الثورة الأولى:
وكانت السنوات الأولى من عهد إسماعيل سنوات هدوء نسبي، قد أفاد منه الرواد المصريون، في تثقيف الشعب قدر الطاقة، وإنضاج وعيه ما أمكن، وقد كان مما ساعد على هذا الهدوء النسبي، ارتفاع أسعار القطن المصري نظرًا للإقبال عليه في الأسواق العالمية، بسبب الحرب الأهلية في أمريكا[1]، وكان إسماعيل في تلك السنوات يمثل الحاكم المستبد، ويساعده على استبداده انشغال الناس عنه، بين رواد فكر ينشرون العلم، وييسرون الثقافة، وينفضون الغبار عن التراث، وبين ملاك جدد يحاولون أن يربحوا لأنفسهم بعض ما يعوض خسائر الماضي.
إلا أن المسألة ما لبثت أن تأزمت في الفترة الأخيرة من عهد إسماعيل، فقد كسدت الأسواق، وكثر الدائنون، وازداد النفوذ الأجنبي، وانكشف الغطاء عن الاستغلال، والفساد والتبديد، والاستهتار بمقدرات البلاد، وكانت القوى الشعبية قد بدأت تستعيد وجودها من أيام سعيد، حين عاد الفلاحون يملكون الأرض، وحين أبيح للمصريين أن يصلوا في الجيش إلى مراتب الضباط[2].
وكانت مدرسة الحقوق قد نبهت كثيرين إلى الحقوق والقوانين، كما كانت هي ودار العلوم، والجمعيات الثقافية قد شحذت الألسنة وأنضجت الأقلام، كذلك كان "مجلس شورى النواب"، وغيره من قاعات القول المختلفة، قد أتاح للأصوات أن ترتفع، كما سمحت الصحافة للأقلام أن تجول وتصول.
ومن هذا كله كانت حركة وعي متأجج أخذ مظهرين، أحدهما فكري انعكس على اللغة والأدب، والآخر سياسي أدى إلى ثورة عسكرية شعبية في عهد توفيق، تلك الثورة التي تعتبر الأولى في تاريخنا الحديث، والتي قادها [1] تاريخ مصر من الفتح العثماني لسليم حسن، وعمر الإسكنداري ص244-245. [2] المصدر السابق ص214.
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 51