اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 177
إلى نشر التعليم، وتحرير الفرد، وإصلاح الفكر، وإنهاض الاقتصاد، ومحاربة التخلف، وما إلى ذلك؛ في الوقت الذي غالبًا فيه في ميادين الدعوة إلى الاستقلال وإجلاء الإنجليز، وإصلاح أداة الحكم، وغير هذا من ميادين النضال السياسي.
بقي مجال ثالث قد نشطت فيه الخطابة أيضًا في تلك الفترة، وهو المجال القضائي، وقد أدى إلى نشاط الخطابة في هذا المجال، ما كان من إنشاء المحاكم الأهلية في تلك الفترة[1]، بعد أن أنشئت المحاكم المختلفة في الفترة السابقة، وبعد أن بدأت مدرسة الحقوق تؤتي ثمارها، وتقدم للأمة رجالًا يعتبر اللسن من أدوات صناعتهم في تلك الأحايين، وهكذا ظهر جيل من الخطاء القضائيين الرائدين، الذين درسوا القانون، واحترفوا العمل القضائي الذي كانت الخطابة من أهم وسائله، حيث عمل البعض مدعين عموميين، وعمل آخرون محامين، وهؤلاء وأولئك كانوا يعتمدون على المقدرة في الخطابة القضائية، وكانت مقوماتها تزيد على مقومات الخطابة الأخرى: المقدرة على تفسير القانون، وفهم نصوصه لصالح من يمثله الخطيب، ثم القدرة على الجدل، وإبطال أدلة الخصم، وتدعيم موقف الطرف الذي يقابله، فهي تجمع إلى مقومات الخطابة كثيرًا من مقومات المناظرة، وتضم إلى ثقافة الخطيب العامة وقدراته الخاصة، ثقافات وقدرات منطقية.
وقد كان من عوامل نشاط هذا اللون من الخطابة، أن كثيرين من رجالها كانوا في الوقت نفسه خطباء سياسيين، وربما خطباء اجتماعيين أيضًا؛ من أمثال سعد زغلول وغيره من رجال هذا الجيل، الذي عمل في المجال القضائي والميدان السياسي، والإصلاح الاجتماعي في كثير من الأحايين.
وهكذا نشطت الخطابة في تلك الفترة، وإن خمدت في السنوات الأولى منها. وقد تعددت مع هذا النشاط ميادينها، وكثر النابعون فيها. [1] انظر: تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ4 ص282. وتاريخ مصر لعمر الإسكندري، وسليم حسن ص311.
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 177