اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 154
يبكون موثلهم وكهف رجائهم ... والأريحي المفضل المقداما
أكان يريد أن يقول: إن زائري قبر الراحل، وفيهم ساداته الأمراء والوزراء والعظماء والعلماء، وفيهم نائب مولاه الأمير، ووكلاء الدول وأكابر السراة والوجهاء؛ أكان يريد أن يقول: إن هؤلاء كلهم ممن كانوا يقصدون من نادى ابن غالي موئلا وكهف رجاء، يستعطون من أريحة ساكنة الجواد، ويستدرون من أفضاله؟ أم أراد أن يقول كما قال الناس في هذا المعنى، فأخطأ التقليد؟ أم كان لا يريد أن يقول شيئًا؟ أم تراه يحسب أنهم ملكوا عليه حتى دموع عينيه، وأنه نائحة المعيَّة، أعد ليرثي كل من يموت من خدامها بلا مقابل؟! 1".
وقد اتضحت المعركة بظهور دواوين شكري، والمازني والعقاد، وكتاباتهم في تأييد مذهبهم، ونقد المذهب المقابل، ومن أهم ما كان من تلك الكتابات المتقدمة زمنًا، المقدِّمة التي كتبها العقاد للجزء الثاني من ديوان شكري سنة 1913، والمقدمة التي كتبها في نفس العام للجزء الأول من ديوان المازني، والتي يقول فيها: "لقد تبوأ منابر الأدب فتية لا عهد لهم بالجيل الماضي، ونقلتهم التربية والمطالعة أجيالًا بعد جيلهم، فهم يشعرون بشعور الشرقي، ويتمثلون العالم كما يتمثله الغربي، وهذا مزاج أول ما يظهر من ثمراته، أن نزعت الأقلام إلى الاستقلال ورفع غشاوة الرياء، والتحرر من القيود الصناعية، هذا من جهة الأغراض، أما من جهة الروح والهوى، فلا يعسر على البصير أن يلمح القطوب للحياة في أسر الشاعر العصري الحديث.. وحسب الأدب في العصر الحديث من روح الاستقلال في شعرائه، أنهم رفعوه من مراغة الامتهان التي عفرت جبينه زمنًا، فلن نجد اليوم شاعرًا حديثًا يهنئ بالمولود، وما نفض يديه من تراب الميت، ولن نراه يطري من هو أول ذامية في خلوته،
1 خلاصة اليومية للعقاد ص21-22، والكتاب منشور سنة 1912، ولكنه يجمع مقالات نشر قبل ذلك، وقد كان اغتيال بطرس غالي سنة 1910.
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 154