اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 103
فشيئًا حتى أصبحت دعوته السياسية أشبه بحلم يعيش عليه بعض المتحمسين. أما من الناحية الفكرية، فقد كان خلال تلك الفترة في المحل الأول، ثم استمرت دعوته وعاشت عبر السنين، كتيار فكري يرى أن نقطة الانطلاق إلى الثقافة، والحضارة يجب أن تبدأ مما عرفه العرب أيام مجدهم الزاهر.
وأما الاتجاه الثاني فقد استطاع -من الناحية السياسية- أن يتغلب، وذلك بسبب قوة نفوذ السائرين فيه، وكونهم يقتسمون الثراء المادي والفكري جميعًا.
وقد ساعد على تغلب هذا الاتجاه من الناحية السياسية، ما مني به أصحاب الاتجاه الأول من ضربات أضعف قوتهم، وقللت أعوانهم، ومن تلك الهزائم معاداة الخديو لهم بعد أن انقلب على الوطنيين وهادن الإنجليز، ومنها تخلي فرنسا عن مؤازرتهم ضد بريطانيا، بعد الاتفاق الودي الذي تم بين الدولتين سنة 1904، والذي أطلقت به فرنسا يد بريطانيا في مصر، وأطلقت به بريطانيا يد فرنسا في المغرب، ومنها ظهور دعوة تركيا الفتاة، ومناداة بعض الأتراك أنفسهم بترك فكرة الخلافة، ومنها بعد ذلك كله ما كان من تخلف تركيا وفساد خلافتها، وعدم ارتياح وطني مستنير إلى الارتباط بها على الرغم من تخلفها، وضعتها وفسادها.
أما من الناحية الفكرية، فقد كان هذا الاتجاه في المحل الثاني، ولم يستطع أن يتغلب على الاتجاه الأول، بل عاشا معًا يمثلان ثنائية "أيديلوجية" في الحياة الفكرية والاجتماعة، ثم يشكلان أهم اتجاهات الأدب كما سنرى إن شاء الله. على أن من الحق أن يقال ابتداء: إن هذا الاتجاه الثاني، هو الذي فتح الطريق إلى التجديد في الأدب، ومعهد إلى تعرف الأدب بالتيارات الغربية الحديثة، والفنون الأدبية الجديدة.
وهكذا أصبح النضال السياسي -بعد ضعف الحزب الوطني- ممثلا في حزب الأمة، وقد آثر هذا الحزب البدء بنواحي الإصلاح، والإعداد للاستقلال وخطا في ذلك خطوات فساح، ثم قامت الحرب الكبرى الأولى سنة 1914.
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 103