responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 362
وظل المتنبي يسيطر على تصور النقاد: إما وحده وإما مقترناً بابي تمام والبحتري، وغما مقترناً بقدامى الفحول من جاهليين وإسلاميين. وإذا كان ابن وكيع صادقاً في تصوره لأزمة عصره، فأن هذه الظاهرة نفسها تقول إن القرن الخامس سيشهد انفصالاً أوسع من ذي قبل بين الشعر والجماهير، وأن الجمهور الذي سيظل اهتمامه بالأدب حياً يمثل قلة من طبقة المثقفين بالثقافة الأدبية، وأن الذوق العام سيتطلب بعد ذلك غذاءه الأدبي في تيار شعري آخر (أو تيارات أخرى) ؛ فأما تقلص الجمهور فيكفي في تصويره أن نتذكر أن أبا العلاء المعري كان يمثل القطب الأدبي في النصف الأول من القرن وان الحريري كان هو القطب في النصف الثاني منه؛ وأما غذاء الذوق العام في تيارات شعرية أخرى فيقتضي النظر لا في القرن الخامس وحده بل في القرن التالي وما بعده؛ حيث يطالعنا ناقد يلمس بإحساسه العميق أن الشعر قد فقد محوره منذ قرنين، ذلك هو حازم القرطاجي الذي يقول: "؟ هو الذي ران على قلوب شعراء المشرق المتأخرين وأعمى بصائرهم عن حقيقة الشعر منذ مائتي سنة، فلم يوجد فيهم على طول هذه المدة من نحا الفحول ولا من ذهب مذاهبهم في تأصيل مبادئ الكلام وإحكام وضعه وانتقاء مواده التي يجب نحته منها، فخرجوا بذلك عن مهيع الشعر ودخلوا في محض التكلم " [1] .
وحين نقول إن المتنبي سر تلك الأزمة لا نعني انه صنعها عامداً، ولكنها حدثت بسببه من ناحيتين، اولاهما انه لم يأت بعده من يخلفه في وقفته الأدبية الشاهرة، صحيح إن المعري كان عبقري خلاقة برى، ولكن طبيعة أدبه باعدت بينه وبين الكثيرين، فعمقت الأزمة بدلاً من أن تحلها، وكانت الغرابة سوراً بينه وبين المثقف الوسط، كما كانت تهمة الزندقة - وهي تهمة باطلة - حجازاً بينه وبين نفسية الجماهير، فإذا قلنا إن موقف المعري كان

[1] منهاج البلغاء: 10.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 362
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست