اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 308
تشدده في فهم بعض الشعر
ثم هو يتشدد اكثر من الحاتمي في التضييق من حدود الفهم للمعنى، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تعليقه على قول المتنبي:
ورد إذا ورد البحتري شارباً ... بلغ الفرات زئيره والنيلا يقول: " وتعظيم زئيره جيد، وليس لصوت زئيره في الماء إلا ما له في البر مع عدم الماء، فكيف اقتصر على ذكر البحيرة والفرات والنيل، أتراه لا يسمع إلا في ماء " [1] ، وهذا تضييق في الفهم، فإن وحدة الصورة المائية على جمالها في البيت لا تعني أن زئير الأسد لا يسمع إلا في الماء، ولكنه إذا زأر عند بحيرة طبرية وصل صوت زئيره - في البر - حد الفرات شمالاً والنيل جنوباً.
ضيقه بالمغالاة التي تمس الناحية الدينية
وهذا الضيق يتملك ابن وكيع أيضاً إزاء الأبيات التي يلمح فيها شيئاً من المغالاة يمس الناحية الدينية مثل قول المتنبي:
يا أيها الملك المصفى جوهراً ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
نور تظاهر فيك لاهويته ... فتكاد تعلم علم ما لن يعلمنا يقول في التعليق عليه " هذا مدح متجاوز، وفيه قلة ورع وترك للتحفظ لأنه جعله ذات الباري وذكر انه قد حل فيه نور إلهي " ولكن ابن وكيع نفذ إلى نقد دقيق للبيتين، فإن الألوهية التي حلت في الممدوح تجعل قوله " فتكاد لهم " - باستعمال لفظ المقاربة - قد ضيعت قيمة البيت الاول، والشعراء يبلغون بممدوحيهم عن طريق نسبة الحدس اللطيف إليهم أكثر مما بلغه المتنبي عن طريق إحلال الألوهية في ممدوحه [2] . ويقف وقفة مشابهة [1] الورقة 27/ أ. [2] انظر الورقة 26/ ب.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 308