اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 171
خضوع الآمدي الذي يحتكم إلى طريقة العرب لمؤثرات أجنبية دون أن يفهمها
ومن غريب أمر الآمدي الذي يبني أكثر نقده على الاحتكام إلى طريقة العرب يستأنس أحياناً بثقافة فلسفية في الحديث عن صناعة الشعر، وهو إنما يعتمد ذلك ليسند مذهبه في إيثار حسن التأليف، قال: " وأنا أجمع لك معاني هذا الباب في كلمات سمعتها من شيوخ أهل العلم بالشعر: زعموا أن صناعة الشعر وغيرها من سائر الصناعات لا تجود وتستحكم إلا بأربعة أشياء وهي: جودة الآلة وإصابة الغرض المقصود وصحة التأليف، والانتهاء إلى تمام الصنعة من غير نقص فيها ولا زيادة عليها، وهذه الخلال الأربع ليست في الصناعات وحدها بل هي موجودة في جميع الحيوان والنبات " [1] ؛ ثم يذكر أن كل محدث مصنوع يحتاج إلى أربع علل: علة هيولانية وعلة صورية وعلة فاعلة وعلة تمامية، فإذا طبقنا هذا على الشعر: كانت العلة الهيولانية هي الآلة أو المادة (أي الألفاظ) ثم تكون إصابة الغرض هي العلة الصورية، ثم تكون صحة التأليف مقابلة للعلة الفاعلة، فإذا انتهى الصانع إلى تمام صحته من غير نقص منها ولا زيادة عليها فتلك علة تمامية، وعلى هذا " فصحة التأليف في الشعر وفي كل صناعة هي أقوى دعائمه (بعد صحة المعنى) ، فكل من كان أصح تأليفاً كان أقوم بتلك الصناعة ممن أضطرب تأليفه " [2] ، وغير خاف أننا لا نستطيع مناقشة الآمدي في هذا التشبيه الذي استمده من الفلسفة، لأنه لم يفهمه، فالعلتان الأولى والثانية (الهيولانية والصورية) تقابلان في الشعر ما أطلق عليه نقاد العرب أسمي (اللفظ والمعنى) أما العلة الفاعلة فهي " قوة الخلق " التي تجعل من الاتصال بين الهيولي والصورة تفرداً يميز بين قوام وقوام، وأما العلة التمامية، فهي إن صدقنا الآمدي في استعمال المصطلح تساوي العلة الغائية. [1] الموازنة 1: 402. [2] الموازنة 1: 405.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 171