اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 167
أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها ... بالدمع ان تزداد طول وقود قيل له: " هذا خلاف ما عليه العرب وضد ما يعرف من معانيها لان المعلوم من شان الدمع ان يطفئ الغليل ويبرد حرارة الحزن ويزيل شدة الوجد ويعقب الراحة، وهو في أشعارهم كثير موجود ينحى به هذا النحو من المعنى " [1] ولسنا نريد أن نقول إن هذا القانون يقتل الإبداع ويهمل اعتبار الطبيعة الإنسانية التي تؤمن بتغير الأذواق وتبدلها، فذلك تحكيم لقواعدنا فيما كان يظنه النقاد القدماء منهجاً صائباً في عصرهم. ولكنا نقول ان هذا القانون متعسف لأنه يفترض اللجوء إلى قاعدة لا يمكن تحديدها. فمن هو الذي يستطيع أن يزعم لنفسه وللناس أنه قد أحاط بما يسمى " طريقة العرب " في الاستعمالات اللغوية والتصويرية. ولماذا يعمد الآمدي نفسه كلما رأى أثراً قديماً مشبهاً بطريقة أبي تمام إلى الاعتذار عنه وعده من النادر أو الشاذ؟ أليس هذا النادر صادراً عن عربي، تقبله ذوقه واقره خياله - وهو خيال عربي - ولم نسمع أنه طواه استهجاناً أو قابله الناس حينئذ بالاستغراب.
قانون " عمود الذوق " يقتل الاستعارة
وإذا كان الآمدي - خدمة لقانونه هذا - قد تناول القواعد القديمة من اعتماد كل أصول اللياقة وعلى قانون منتهى الجودة وعلى ما أشبه هذين من أصول نقدية قديمة وجعلها مقياساً كبيراً يكثر اللجوء إليه عندما يجد الناس مخالفين له في ذوقه، فإنه قد تجاوز حدود تلك القواعد التي كانت تقف عند المواصفات الشكلية إلى صميم العملية الشعرية. وبيان ذلك أن الشعر لا يتأثر كثيراً إذا أخطأ الشاعر فجعل ذيل فرسه طويلاً، [1] الموازنة 1: 199 ثم يقول الآمدي (1: 200) فلو كان اقتصر على هذا المعنى الذي جرت العادة به في وصف الدمع لكان المذهب الصحيح المستقيم ولكنه استعمل الإغراب فخرج إلى ما لا يعرف في كلام العرب ولا مذاهب سائر الأمم.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 167