responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 419
الذي يبلغ به ما يريد من إصابة خصمه والنكاية به، يقول زهير بن أبي سلمى1:
وَمِدرَهُ حَربٍ حَميُها يُتَّقى بِهِ ... شَديدُ الرِجامِ بِاللِسانِ وَبِاليَدِ
ونراهم يصفون خطباءهم بأنهم مصاقع ولسن، وافتخروا بذلك طويلًا على نحو ما نجد عند قيس بن عاصم المنقري يصف ما فيه وفي عشيرته بني منقر من الخطابة والفصاحة2:
إني امرؤٌ لا يَعْتري خُلُقي ... دَنَسٌ يُفَنِّدُهُ ولا أفْنُ3
من مِنْقَرٍ في بيت مكرُمةٍ ... والأصلُ ينبت حوله الغُصْنُ
خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقعٌ لُسْن
وقد حذروا طويلًا من شدة وقع اللسان، وقالوا: إن جرح اللسان كجرح اليد وإنه عَضْب وقاطع كالسيف، يقول طرفة4:
بِحُسامِ سيفك أو لسانك والـ ... كَلِمُ الأصيلُ كأَرْغَب الكَلْمِ
ولعل مما يدل دلالة قاطعة على أنهم أحسوا بجمال ما يلفظ به خطباؤهم أننا نراهم يشبهون كلامهم بالثياب الموشَّاة وبالحُلل والدِّيباج وأشباه ذلك، يقول أبو قُرْدُودة الطائي في رثاء ابن عَمَّار خطيب مَذْحج وقد مات مقتولًا5:
ومنطقٍ خُرَّق بالعَواسلِ ... لَذّ كَوَشْي اليُمْنَةِ المَرَاحلِ6
ولعل في كل ما قدمنا ما يدل دلالة واضحة على أن الخطابة كانت مزدهرة في الجاهلية؛ فقد كانوا على حظ كبير من الحرية، وكانوا يخطبون في كل موقف في المفاخرات وفي الدعوة إلى السلم أو الحرب وفي النصح والإرشاد وفي الصهر والزواج. وابتغوا دائمًا في كلامهم أن يؤثر في نفوس سامعيهم بما حققوا له من ضروب بيان وبلاغة.

1 ديوان زهير: "طبعة دار الكتب" ص223.
2 البيان والتبيين: 1/ 219.
3 يفند: ينقض ويضف. الأفن: ضعف الرأي.
4 البيان والتبيين: 1/ 156. أرغب: أوسع. الكلم: بسكون اللام: الجرح.
5 البيان والتبيين: 1/ 349.
6 العواسل: الرماح. المراحل: جمع مرحل وهو ما نقش فيه تصاوير الرحال.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 419
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست