responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 373
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ ... وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ1
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اشتَكى ... وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
وكأنما فرسه بضعة من نفسه. وبهذه الرقة والرحمة كان يعامل النساء سبيات وغير سبيات؛ فإذا سبى امرأة لم يقربها إلا بعد أداء صداقها إلى أهلها. وكما للسبية حُرمتها كذلك لامرأة جاره، وخاصة إذا كانت زوجة صديق، فإنه يغض طرفه عنها ولا يتبعها قلبه وهواه، يقول2:
ما استَمتُ أُنثى نَفسَها في مَوطِنِ ... حَتّى أُوَفّي مَهرَها مَولاها3
أَغشى فَتاةَ الحَيِّ عِندَ حَليلِها ... وَإِذا غَزا في الجَيشِ لا أَغشاها4
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي ... حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ ... لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
وعنترة بهذا كله يصور لنا المروءة الجاهلية الكاملة، وهي مروءة طرزها حب عذري عفيف لابنة عمه عبلة. وحقًّا إن هذا الحب إنما شاع في بوادي نجد في أثناء العصر الأموي، بسب المعاني الروحية التي بثها الإسلام في نفوس العرب، وهو لم يشع في الجاهلية؛ إنما ظهر عند بعض الأفراد من الفرسان مثل عنترة؛ فقد كان يتسامى لا في خلقه فحسب؛ بل أيضًا في حبه، وقد جعله ذلك يستشعر غير قليل من الأسى والحزن حين رفض عمه يده، فلم يزوجه من ابنته. ومضى يحبها حبًّا عفيفًا، أو قل حبا يائسا محروما فيه طهارة النفس ونقاؤها وفيه الفؤاد الملذلع الذي يكظم حزنه فتفضحه عبراته، يقول5:
أَفَمِن بُكاءِ حَمامَةً في أَيكَةٍ ... ذَرَفَت دُموعَكَ فَوقَ ظَهرِ المَحمِلِ6

1 ازور: مال وانحرف. اللبان الصدر. التحمحم. صهيل فيه شبه الأنين.
2 مختار الشعر الجاهلي: ص409.
3 استام المرأة: راودها عن نفسها. الموطن هنا: موطن القتال.
4 أغشى: أزور.
5 مختار الشعر الجاهلي: ص387.
6 أيكة: شجرة. ذرفت: سالت. المحمل: علاقة السيف.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف    الجزء : 1  صفحة : 373
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست