اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 172
يمثل لنا هذه الحياة؛ بينما يمثل لنا الذكر الحكيم العرب طائفتين: طائفة الأغنياء المستأثرين بالثورة وطائفة الفقراء المعدمين، وليس في الشعر ما يصور ذلك كما يقول؛ إنما فيه أن العرب جميعًا أجواد كرام؛ على حين يلح القرآن الكريم في ذم البخل والبخلاء. وهذا القياس أيضًا لا يستقيمن لسبب بسيط، وهو أن شعر الصعاليك طافح بما يصور النضال بين الأغنياء والفقراء[1]، وأيضًا فإن شعراءهم إذا كانوا قد أكثروا في مدحهم وفخرهم من ذكر الكرم؛ فإنهم أكثروا في هجائهم من ذكر البخل وشح النفس. ولا بد أن نلاحظ أن كثيرًا من القرآن نزل في قريش التاجرة التي بلغ كثير منها مبلغًا عظيمًا في الثراء والتي كان يشيع فيها الربا أضعافًا مضاعفة.
ووقف طه حسين طويلًا إزاء لغة الشعر الجاهلي ولاحظ أنه لا يصور اللغتين الشائعتين في الجزيرة: لغة الحميريين الجنوبية ولغة العدنانيين الشمالية؛ بل هو يضيف إلى الجنوبيين أشعارًا بلغة الشماليين. وحقًّا إن ما يضاف إلى من كانوا في أقصى الجنوب وداخل اليمن منتحل، أما من كانوا منهم يجاورون الشماليين؛ فقد تعربوا في الجاهلية مثل مذجح وبلحارث بن كعب. على أنه يطرد القياس فيتشكك في شعراء القبائل اليمنية التي هاجرت من مواطنها الأصلية في الجنوب إلى الشمال مثل كندة وشاعرها امرئ القيس. ومما لا شك فيه أن هذه القبائل هاجرت إلى الشمال قبل العصر الجاهلي وتعربت؛ فهي ليست يمنية ولا جنوبية من الوجهة اللغوية، وإنما هي شمالية. وقد وقف عند لهجات الشماليين في الجاهلية، تلك التي تمثلها قراءات القرآن الكريم، ولاحظ أن الشعر الجاهلي لا يمثلها، واتخذ من ذلك مطعنًا في صحته، ومر بنا في غير هذا الموضع أن لهجة قريش عمت في الجزيرة منذ أوائل القرن السادس الميلادي واتخذها الشعراء لغة أدبية لهم، ينظمون فيها أشعارهم مرتفعين غالبًا عن لهجات قبائلهم المحلية؛ فلا محل للتساؤل عن هذه اللهجات في شعر الجاهليين، ولا موضع لاتخاذ ذلك دليلًا على أنه منتحل موضوع. ونراه يتشكك في شعر الشواهد التعليمية على ألفاظ القرآن والحديث والمذاهب الكلامية؛ غير أن هذه الشواهد أبيات فردية، واتهامها ينبغي أن ينحصر [1] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي ليوسف خليف "طبع دار المعارف" ص 132 وما بعدها وص 227 وما بعدها.
اسم الکتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي المؤلف : شوقي ضيف الجزء : 1 صفحة : 172